(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩))
كما ضرب الله المثل لقريش بالأمم التي كذبت رسلها فانتقم الله منها ، كذلك ضرب المثل لصناديد قريش مثل أبي جهل ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، وأبي لهب ، بصناديد بعض الأمم السالفة كانوا سبب مصاب أنفسهم ومصاب قومهم الذين اتبعوهم ، إنذارا لقريش بما عسى أن يصيبهم من جراء تغرير قادتهم بهم وإلقائهم في خطر سوء العاقبة. وهؤلاء الثلاثة جاءهم موسى بالبينات. وتقدمت قصصهم وقصة قارون في سورة القصص.
فأما ما جاء به موسى من البينات لفرعون وهامان فهي المعجزات التي تحداهم بها على صدقه فأعرض فرعون عنها واتبعه هامان وقومه. وأما ما جاء به موسى لقارون فنهيه عن البطر.
وأومأ قوله تعالى (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) إلى أنهم كفروا عن عناد وكبرياء لا عن جهل وغلواء كما قال تعالى (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) [الجاثية : ٢٣] فكان حالهم كحال صناديد قريش الذين لا يظن أن فطنتهم لم تبلغ بهم إلى تحقق أن ما جاء به محمدصلىاللهعليهوسلم صدق وأن ما جاء به القرآن حقّ ولكن غلبت الأنفة. وموقع جملة (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى) كموقع جملة (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) [العنكبوت : ٣٨].
والاستكبار : شدة الكبر ، فالسين والتاء للتأكيد كقوله (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [العنكبوت : ٣٨].
وتعليق قوله (فِي الْأَرْضِ) ب (فَاسْتَكْبَرُوا) للإشعار بأن استكبار كل منهم كان في جميع البلاد التي هو منها ، فيومئ ذلك أن كل واحد من هؤلاء كان سيدا مطاعا في الأرض.
فالتعريف في (الْأَرْضِ) للعهد ، فيصح أن يكون المعهود هو أرض كل منهم ، أو أن يكون المعهود الكرة الأرضية مبالغة في انتشار استكبار كل منهم في البلاد حتى كأنه يعم الدنيا كلها.
ومعنى السبق في قوله (وَما كانُوا سابِقِينَ) الانفلات من تصريف الحكم فيهم. وقد