تقدم في قوله تعالى ولا تحسبن (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) في سورة الأنفال [٥٩] ، فالواو للحال ، أي استكبروا في حال أنهم لم يفدهم استكبارهم.
وإقحام فعل الكون بعد النفي لأن المنفي هو ما حسبوه نتيجة استكبارهم ، أي أنهم لا ينالهم أحد لعظمتهم. ومثل هذا الحال مثل أبي جهل حين قتله ابنا عفراء يوم بدر فقال له عبد الله بن مسعود حين وجده محتضرا : أنت أبو جهل؟ فقال : وهل أعمد من رجل قتلتموه لو غير أكّار قتلني (أي زراع يعني رجلا من الأنصار لأن الأنصار أهل حرث وزرع).
(فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠))
أفادت الفاء التفريع على الكلام السابق لما اشتمل عليه من أن الشيطان زين لهم أعمالهم ومن استكبار الآخرين ، أي فكان من عاقبة ذلك أن أخذهم الله بذنوبهم العظيمة الناشئة عن تزيين الشيطان لهم أعمالهم وعن استكبارهم في الأرض ، وليس المفرّع هو أخذ الله إياهم بذنوبهم لأن ذلك قد أشعر به ما قبل التفريع ، ولكنه ذكر ليفضى بذكره إلى تفصيل أنواع أخذهم وهو قوله (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) إلى آخره ، فالفاء في قوله (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ) إلخ لتفريع ذلك التفصيل على الإجمال الذي تقدمه فتحصل خصوصية الإجمال ثم التفصيل ، وللدلالة على عظيم تصرف الله.
فأما الذين أرسل عليهم حاصب فهم عاد. والحاصب : الريح الشديدة ، سميت حاصبا لأنها تقلع الحصباء من الأرض. قال أبو وجرة السعدي :
صببت عليكم حاصبي فتركتكم |
|
كأصرام عاد حين جلّلها الرّمد |
فجعل الحاصب مما أصاب عادا. وليس المراد بهم قوم لوط كالذي في قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ) [القمر : ٣٤] لأن قوم لوط مر آنفا الكلام على عذابهم مفصلا فلا يدخلون في هذا الإجمال.
والذين أخذتهم الصيحة هم ثمود. والذين خسفت بهم الأرض هو قارون وأهله. وقد تقدم ذكر الخسف في سورة القصص [٨١ ، ٨٢]. والذين أغرقهم : فرعون وهامان ومن