هذه السورة [٤٣].
و (الْعَنْكَبُوتِ) : صنف من الحشرات ذات بطون وأرجل وهي ثلاثة أصناف ، منها صنف يسمى ليث العناكب وهو الذي يفترس الذباب ، وكلها تتخذ لأنفسها نسيجا تنسجه من لعابها يكون خيوطا مشدودة بين طرفين من الشجر أو الجدران ، وتتخذ في وسط تلك الخيوط جانبا أغلظ وأكثر اتصال خيوط تحتجب فيه وتفرّخ فيه. وسمي بيتا لشبهه بالخيمة في أنه منسوج ومشدود من أطرافه فهو كبيت الشعر.
وجملة (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) معترضة مبينة وجه الشبه. وهذه الجملة تجري مجرى المثل فيضرب لقلة جدوى شيء فاقتضى ذلك أن الأديان التي يعبد أهلها غير الله هي أحقر الديانات وأبعدها عن الخير والرشد وإن كانت متفاوتة فيما يعرض لتلك العبادات من الضلالات كما تتفاوت بيوت العنكبوت في غلظها بحسب تفاوت الدويبات التي تنسجها في القوة والضعف.
وجملة (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) متصلة بجملة (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ) لا بجملة (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ). فتقدير جواب (لَوْ) هكذا : لو كانوا يعلمون أن ذلك مثلهم ، أي ولكنهم لا يعلمون انعدام غناء ما اتخذوه عنهم. وأما أوهنية بيت العنكبوت فلا يجهلها أحد.
(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢))
لما نفى عنهم العلم بما تضمنه التمثيل من حقارة أصنامهم التي يعبدونها وقلة جدواها بقوله (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت : ٤١] المفيد أنهم لا يعلمون ، أعقبه بإعلامهم بعلمه بدقائق أحوال تلك الأصنام على اختلافها واختلاف معتقدات القبائل التي عبدتها ، وأن من آثار علمه بها ضرب ذلك المثل لحال من عبدوها وحالها أيضا دفعا بهم إلى أن يتهموا عقولهم وأن عليهم النظر من حقائق الأشياء تعريضا بقصور علمهم كقوله تعالى (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢١٦] ، فهذا توقيف لهم على تفريطهم في علم حقائق الأمور التي علمها الله وأبلغهم دلائلها النظرية ونظائرها التاريخية ، وقربها إليهم بالتمثيلات الحسية فعموا وصموا عن هذا وذاك.
و (ما) من قوله ما تدعون يجوز أن تكون نافية معلّقة فعل (يَعْلَمُ) عن العمل ،