وعن الخليل بن أحمد (١) «العلم معرفتان مجتمعان ، ففي قولك : عرفت زيدا قائما ، يكون (قائما) حالا من (زيدا) ، وفي قولك : علمت زيدا قائما ، يكون (قائما) مفعولا ثانيا ل (علمت) اه. يريد أن فعل (عرف) يدل على إدراك واحد وهو إدراك الذات ، وفعل (علم) يدل على إدراكين هما إدراك الذات وإدراك ثبوت حكم لها ، على نحو ما قاله أهل المنطق في التصور والتصديق ، فلذلك لم يرد في الكتاب والسنة إسناد فعل المعرفة إلى الله فكيف يسند إليه ما يؤوّل بمعناها.
وجملة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) تذييل لجملة (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) لأن الجملة على كلا المعنيين في معاني (ما) تدل على أن الذي بيّن حقارة حال الأصنام واختلال عقول عابديها فلم يعبأ بفضحها وكشفها بما يسوءها مع وفرة أتباعها ومع أوهام أنها لا يمسها أحد بسوء إلا كانت ألبا عليه ؛ فلو كان للأصنام حظ في الإلهية لما سلّم من ضرّها من يحقرها كقوله تعالى (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما) تقولون (إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) [الإسراء : ٤٢] كما تقدم ، وأنه لما فضح عقول عبادها لم يخشهم على أوليائه بله ذاته ، فهو عزيز لا يغلب ، وحكيم لا تنطلي عليه الأوهام والسفاسط بخلاف حال هاتيك وأولئك.
وقرأ الجمهور تدعون بالفوقية على طريقة الالتفات. وقرأه أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالتحتية.
(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣))
بعد أن بين الله لهم فساد معتقدهم في الأصنام ، وأعقبه بتوقيفهم على جهلهم بذلك ، نعى عليهم هنا أنهم ليسوا بأهل لتفهم تلك الدلائل التي قربت إليهم بطريقة التمثيل ، فاسم الإشارة يبيّنه الاسم المبدل منه وهو (الْأَمْثالُ).
والإشارة إلى حاضر في الأذهان فإن كل من سمع القرآن حصل في ذهنه بعض تلك الأمثال. واسم الإشارة للتنويه بالأمثال المضروبة في القرآن التي منها هذا المثل بالعنكبوت.
وجملة (نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) خبر عن اسم الإشارة. وهذه الجملة الخبرية مستعملة في الامتنان والطول لأن في ضرب الأمثال تقريبا لفهم الأمور الدقيقة. قال الزمخشري :
__________________
(١) نقله عنه أبو بكر بن العربي في كتاب «العواصم من القواصم».