تنهى عن الفحشاء والمنكر ، أي إنما كانت ناهية عن الفحشاء والمنكر لأنها ذكر الله وذكر الله أمر كبير ، فاسم التفضيل مسلوب المفاضلة مقصود به قوة الوصف كما في قولنا : الله أكبر ، لا تريد أنه أكبر من كبير آخر.
ويجوز أن يكون عطفا على جملة (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ). والمعنى : واذكر الله فإن ذكر الله أمر عظيم ، فيصح أن يكون المراد من الذكر تذكّر عظمة الله تعالى. ويجوز أن يكون المراد ذكر الله باللسان ليعمّ ذكر الله في الصلاة وغيرها. واسم التفضيل أيضا مسلوب المفاضلة ويكون في معنى قول معاذ بن جبل «ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله».
ويجوز أن يكون المراد بالذكر تذكر ما أمر الله به ونهى عنه ، أي مراقبة الله تعالى وحذر غضبه ، فالتفضيل على بابه ، أي ولذكر الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من الصلاة في ذلك النهي ، وذلك لإمكان تكرار هذا الذكر أكثر من تكرر الصلاة فيكون قريبا من قول عمر رضياللهعنه : أفضل من شكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه.
ولك أن تقول : ذكر الله هو الإيمان بوجوده وبأنه واحد. فلما أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم وأراد أمر المؤمنين بعملين عظيمين من البر أردفه بأن الإيمان بالله هو أعظم من ذلك إذ هو الأصل كقوله تعالى (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٣ ـ ١٧]. وذلك من ردّ العجز على الصدر عاد به إلى تعظيم أمر التوحيد وتفظيع الشرك من قوله (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما) تدعون (مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [العنكبوت : ٤٢] إلى هنا.
وقوله (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) تذييل لما قبله ، وهو وعد ووعيد باعتبار ما اشتمل عليه قوله (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ) وقوله (تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ).
والصنع : العمل.
(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦))
عطف على جملة (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) [العنكبوت : ٤٥] الآية ، باعتبار ما