شامل لجميع المعاملات ومنها المجادلات ولا يختص بخصوص الجهاد فإن الجهاد كله إغلاظ فلا يكون عطف الإغلاظ على الجهاد إلّا إغلاظا غير الجهاد.
ووجه الوصاية بالحسنى في مجادلة أهل الكتاب أن أهل الكتاب مؤمنون بالله غير مشركين به فهم متأهّلون لقبول الحجة غير مظنون بهم المكابرة ولأن آداب دينهم وكتابهم أكسبتهم معرفة طريق المجادلة فينبغي الاقتصار في مجادلتهم على بيان الحجة دون إغلاظ حذرا من تنفيرهم ، بخلاف المشركين فقد ظهر من تصلبهم وصلفهم وجلافتهم ما أيأس من إقناعهم بالحجة النظرية وعيّن أن يعاملوا بالغلظة وأن يبالغ في تهجين دينهم وتفظيع طريقتهم لأن ذلك أقرب نجوعا لهم.
وهكذا ينبغي أن يكون الحال في ابتداء مجادلة أهل الكتاب ، وبقدر ما يسمح به رجاء الاهتداء من طريق اللين ، فإن هم قابلوا الحسنى بضدها انتقل الحكم إلى الاستثناء الذي في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ). و (الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) هم الذين كابروا وأظهروا العداء للنبي صلىاللهعليهوسلم وللمسلمين وأبوا أن يتلقوا الدعوة فهؤلاء ظلموا النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين حسدا وبغضا على أن جاء الإسلام بنسخ شريعتهم ، وجعلوا يكيدون للنبيصلىاللهعليهوسلم ونشأ منهم المنافقون وكل هذا ظلم واعتداء.
وقد كان اليهود قبل هجرة المسلمين إلى المدينة مسالمين الإسلام وكانوا يقولون : إن محمدا رسول الأميين كما قال ابن صياد لما قال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «أتشهد أني رسول الله؟ فقال : أشهد أنك رسول الأميين». فلما جاء المدينة دعاهم في أول يوم قدم فيه وهو اليوم الذي أسلم فيه عبد الله بن سلام فأخذوا من يومئذ يتنكرون للإسلام.
وعطف (وَقُولُوا آمَنَّا) إلى آخر الآية تعليم لمقدمة المجادلة (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وهذا مما يسمى تحرير محل النزاع وتقريب شقة الخلاف وذلك تأصيل طرق الإلزام في المناظرة وهو أن يقال قد اتفقنا على كذا وكذا فلنحتجّ على ما عدا ذلك ، فإن ما أمروا بقوله هنا مما اتفق عليه الفريقان فينبغي أن يكون هو السبيل إلى الوفاق وليس هو بداخل في حيّز المجادلة لأن المجادلة تقع في موضع الاختلاف ولأن ما أمروا بقوله هنا هو إخبار عمّا يعتقده المسلمون وإنما تكون المجادلة فيما يعتقده أهل الكتاب مما يخالف عقائد المسلمين مثل قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) إلى قوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). [آل عمران : ٦٥ ـ ٦٧]. ولأجل أن مضمون هذه الآية لا يدخل في حيّز المجادلة عطفت على ما قبلها ولو كانت مما