شملته المجادلة لكان ذلك مقتضيا فصلها لأنها مثل بدل الاشتمال.
ومعنى (بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا) القرآن. والتعبير عنه بهذه الصلة للتنبيه على خطأ أهل الكتاب إذ جحدوا أن ينزل الله كتابا على غير أنبيائهم ، ولذلك عقب بقوله : (وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ). وقوله : (وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) عطف صلة اسم موصول محذوف دل عليه ما قبله. والتقدير : والذي أنزل إليكم ، أي الكتاب وهو «التوراة» بقرينة قوله (إِلَيْكُمْ). والمعنى: إننا نؤمن بكتابكم فلا ينبغي أن تنحرفوا عنا وهذا كقوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) [المائدة : ٥٩] ، وكذلك قوله : (وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ) تذكير بأن المؤمنين واليهود يؤمنون بإله واحد. فهذان أصلان يختلف فيهما كثير من أهل الأديان.
وقوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) مراد به كلا الفريقين ، فريق المتكلمين وفريق المخاطبين. فيشمل المسلمين وأهل الكتاب فيكون المراد بوصف (مُسْلِمُونَ) أحد إطلاقيه وهو إسلام الوجه إلى الله ، أي عدم الإشراك به ، أي وكلانا مسلمون لله تعالى لا نشرك معه غيره. وتقديم المجرور على عامله في قوله : (لَهُ مُسْلِمُونَ) لإفادة الاختصاص تعريضا بالمشركين الذين لم يفردوا الله بالإلهية.
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧))
هذا عود إلى مجادلة المشركين في إثبات أن القرآن منزل من الله على رسولهصلىاللهعليهوسلم.
فالمعنى : ومثل ذلك التنزيل البديع أنزلنا إليك الكتاب ، فهو بديع في فصاحته ، وشرف معانيه ، وعذوبة تراكيبه ، وارتفاعه على كل كلام من كلام البلغاء ، وفي تنجيمه ، وغير ذلك. وقد تقدم بيان مثل هذه الإشارة عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) في سورة البقرة [١٤٣].
وقد تفرع على بداعة تنزيله الإخبار بأن الذين علمهم الله الكتاب يؤمنون به أي يصدقون أنه من عند الله لأنهم أدرى بأساليب الكتب المنزّلة على الرسل والأنبياء وأعلم بسمات الرسل وشمائلهم. وإنما قال : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) دون أن يقول : فأهل الكتاب ، لأن في (آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) تذكيرا لهم بأنهم أمناء عليه كما قال تعالى : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) [المائدة : ٤٤].