الضمير. ويلتئم التقدير هكذا : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك بل هو ألقي في صدرك وهو آيات بيّنات. ويجوز أن يكون المراد ب (صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) صدور أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وحفّاظ المسلمين ، وهذا يقتضي أن يكون قوله : (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) تتميما للثناء على القرآن وأن الغرض هو الإخبار عن القرآن بأنه آيات بيّنات فيكون المجرور صفة ل (آياتٌ) والإبطال مقتصر على قوله : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ).
وجملة (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) تذييل يؤذن بأن المشركين جحدوا آيات القرآن على ما هي عليه من وضوح الدلالة على أنها من عند الله لأنهم ظالمون لا إنصاف لهم وشأن الظالمين جحد الحق ، يحملهم على جحده هوى نفوسهم للظلم ، كما قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤] فهم متوغلون في الظلم كما تقدم في وصفهم بالكافرين والمبطلين.
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠))
لما ذكر الجاحدين لآية القرآن ثلاث مرات ووصفهم بالكافرين والمبطلين والظالمين انتقل الكلام إلى مقالتهم الناشئة عن جحودهم ، وذلك طلبهم أن يأتي النبي صلىاللهعليهوسلم بآيات مرئية خارقة للعادة تدل على أن الله خلقها تصديقا للرسول كما خلق ناقة صالح وعصا موسى ، وهذا من جلافتهم أن لا يتأثروا إلا للأمور المشاهدة وهم يحسبون أن الرسول عليه الصلاة والسلام ينتصب للمعاندة معهم فهم يقترحون عليه ما يرغبونه ليجعلوا ما يسألونه من الخوارق حديث النوادي حتى يكون محضر الرسول عليه الصلاة والسلام فيهم كمحضر المشعوذين وأصحاب الخنقطرات. وقد قدمت بيان هذا الوهم عند قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ) آيات من ربه في سورة الأنعام [٣٧].
ومعنى (عِنْدَ اللهِ) أنها من عمل القدرة الذي يجري على وفق إرادته تعالى فلكونها منوطة بإرادته شبهت بالشيء المحفوظ عند مالكه.
وأفادت (إِنَّمَا) قصر النبي عليه الصلاة والسّلام على صفة النذارة ، أي الرسالة لا يتجاوزها إلى خلق الآيات أو اقتراحها على ربّه ، فهو قصر إفراد ردّا على زعمهم أن من حق الموصوف بالرسالة أن يأتي بالخوارق المشاهدة.