والمعنى : أنه لا يسلّم أن التبليغ يحتاج إلى الإتيان بالخوارق على حسب رغبة الناس واقتراحهم حتى يكونوا معذورين في عدم تصديق الرسول إذا لم يأتهم بآية حسب اقتراحهم. وخصّ بالذكر من أحوال الرسالة وصف النذير تعريضا بالمشركين بأن حالهم يقتضي الإنذار وهو توقع الشر.
والمبين : الموضح للإنذار بالدلائل العقلية الدالة على صدق ما يخبر به.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب : (آياتٌ). وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف : آية. والجمع والإفراد في هذا سواء لأن القصد إلى الجنس ، فالآية الواحدة كافية في التصديق.
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١))
عطف على جملة : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) [العنكبوت : ٥٠] وهو ارتقاء في المجادلة.
والاستفهام تعجيبي إنكاري. والمعنى : وهل لا يكفيهم من الآيات آيات القرآن فإن كل مقدار من مقادير إعجازه آية على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فإن آيات القرآن زهاء ستة آلاف آية. ومقدار كل ثلاث آيات مقدار معجز ، فيحصل من القرآن مقدار ألفي معجزة وذلك لم يحصل لأحد من رسل الله.
و (الْكِتابَ) : القرآن ، وعدل عن لفظ القرآن الذي هو كالعلم عليه إلى لفظ الكتاب المعهود لإيمائه إلى معنى تعظيمه بأنه المشتهر من بين كتب الأنبياء.
وجملة : (يُتْلى عَلَيْهِمْ) مستأنفة أو حال ، لأن الكتاب معلوم غير محتاج للوصف لما تشعر به مادة التلاوة من الانتشار والشيوع. واختير المضارع دون الوصف بأن يقال : متلوا عليهم ، لما يؤذن به المضارع من الاستمرار ، فحصل من مادة (يُتْلى) ومن صيغة المضارع دلالة على عموم الأمكنة والأزمنة. وقد أشار قوله : (يُتْلى عَلَيْهِمْ) وما بعده إلى خمس مزايا للقرآن على غيره من المعجزات.
المزية الأولى : ما أشار إليه قوله (يُتْلى عَلَيْهِمْ) من انتشار إعجازه وعمومه في المجامع والآفاق والأزمان المختلفة بحيث لا يختص بإدراك إعجازه فريق خاص في زمن