زائدة على ما في المعجزات الأخرى من المنفعة التي هي منفعة الإيمان بما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم. فهذه مزايا عظيمة لمعجزة القرآن حاصلة في حضرة الرسول صلىاللهعليهوسلم وغيبته ومستقلة عن الحاجة إلى بيانه وتكميله بالدعوة وبتكريرها.
واستحضار المؤمنين بعنوان : (قوم يؤمنون) دون أن يقال : للمؤمنين ، لما في لفظ قوم من الإيماء إلى أن الإيمان من مقومات قوميتهم ، أي لقوم شعارهم أن يؤمنوا ، يعني لقوم شعارهم النظر والإنصاف فإذا قامت لهم دلائل الإيمان آمنوا ولم يكابروا ظلما وعلوّا ، فالفعل مراد به الحال القريبة من الاستقبال. وفيه تعريض بالذين لم يكتفوا بمعجزته واقترحوا آيات أخرى لا نسبة بينه وبينها.
(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢))
(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
بعد أن ألقمهم حجر الحجّة الدامغة أمر بأن يجعل الله حكما بينه وبينهم لما استمر تكذيبهم بعد الدلائل القاطعة. وهذا من الكلام المنصف المقصود منه استدراج المخاطب.
و (كَفى بِاللهِ) بمعنى هو كاف لي في إظهار الحق ، والباء مزيدة للتوكيد وقد تقدم نظيره في قوله : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) في سورة النساء [٧٩].
والشهيد : الشاهد ، ولما ضمن معنى الحاكم عدّي بظرف (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ). قال الحارث بن حلزة في عمرو بن هند الملك :
وهو الرّب والشهيد على يو |
|
م الحيارين والبلاء بلاء |
وجملة : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مقررة لمعنى الاكتفاء به شهيدا فهي تتنزل منها منزلة التوكيد.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
بعد أن أنصفهم بقوله : (كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) استمر في الانتصاف بما لا يستطيعون إنكاره وهو أن الذين اعتقدوا الباطل وكفروا بالله هم الخاسرون في الحكومة والقضية الموكولة إلى الله تعالى ؛ فهم إن تأملوا في إيمانهم بالله حقّ التأمّل وجدوا أنفسهم غير مؤمنين بإلهيته لأنهم أشركوا معه ما ليس حقيقا بالإلهية فعلموا أنهم كفروا بالله فتعين