فعل ناشئ عن وسوسة الشيطان ولولاها لكان عمله جاريا على الأحوال المأذونة.
وفي هذا دليل على أن الأصل في النفس الإنسانية هو الخير وأنه الفطرة وأن الانحراف عنها يحتاج إلى سبب غير فطري وهو تخلل نزغ الشيطان في النفس.
ومتعلق (عَدُوٌّ) محذوف لدلالة المقام أي عدو لآدم وذرية آدم.
ورتب على الإخبار عنه بالعداوة وصفه بالإضلال لأن العدو يعمل لإلحاق الضر بعدوه و (مُبِينٌ) وصف ل (مُضِلٌ) لا خبر ثان ولا ثالث.
(قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦))
بدل اشتمال من جملة (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [القصص : ١٥] لأن الجزم بكون ما صدر منه عملا من عمل الشيطان وتغريره يشتمل على أن ذلك ظلم لنفسه ، وأن يتوجه إلى الله بالاعتراف بخطئه ويفرّع عليه طلب غفرانه. وسمى فعله ظلما لنفسه لأنه كان من أثر فرط الغضب لأجل رجل من شيعته ، وكان يستطيع أن يملك من غضبه فكان تعجيله بوكز القبطي وكزة قاتلة ظلما جرّه لنفسه. وسمّاه في سورة الشعراء [٢٠] ضلالا (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ).
وأراد بظلمه نفسه أنه تسبب لنفسه في مضرة إضمار القبط قتله ، وأنه تجاوز الحد في عقاب القبطي على مضاربته الإسرائيلي. ولعله لم يستقص الظالم منهما وذلك انتصار جاهلي كما قال وداك بن ثميل المازني يمدح قومه :
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم |
|
لأية حرب أم بأي مكان |
وقد اهتدى موسى إلى هذا كله بالإلهام إذ لم تكن يومئذ شريعة إلهية في القبط.
ويجوز أن يكون علمه بذلك مما تلقاه من أمه وقومها من تدين ببقايا دين إسحاق ويعقوب.
ولا التفات في هذا إلى جواز صدور الذنب من النبي لأنه لم يكن يومئذ نبيئا ، ولا مسألة صدور الذنب من النبي قبل النبوءة ، لأن تلك مفروضة فيما تقرر حكمه من الذنوب بحسب شرع ذلك النبي أو شرع نبيء هو متبعه مثل عيسى عليهالسلام قبل نبوءته لوجود شريعة التوراة وهو من أتباعها.