والفاء في قوله (فَغَفَرَ لَهُ) للتعقيب ، أي استجاب استغفاره فعجل له بالمغفرة.
وجملة (فَغَفَرَ لَهُ) معترضة بين جملة (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) وجملة (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) [القصص : ١٧] كان اعتراضها إعلاما لأهل القرآن بكرامة موسىعليهالسلام عند ربه.
وجملة (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) تعليل لجملة (فَغَفَرَ لَهُ) ؛ علل المغفرة له بأنه شديد الغفران ورحيم بعباده ، مع تأكيد ذلك بصيغة القصر إيماء إلى أن ما جاء به هو من ظلم نفسه وما حفه من الأمور التي ذكرناها.
(قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧))
إعادة (قالَ) أفاد تأكيدا لفعل (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) [القصص : ١٦]. أعيد القول للتنبيه على اتصال كلام موسى حيث وقع الفصل بينه بجملتي (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [القصص : ١٦]. ونظم الكلام : قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، رب بما أنعمت فلن أكون ظهيرا للمجرمين ، وليس قوله (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) مستأنفا عن قوله (فَغَفَرَ لَهُ) [القصص : ١٦] لأن موسى لم يعلم أن الله غفر له إذ لم يكن يوحى إليه يومئذ.
والباء للسببية في (بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) و (ما) موصولة وحذف العائد من الصلة لأنه ضمير مجرور بمثل ما جرّ به الموصول ، والحذف في مثله كثير. والتقدير : بالذي أنعمت به عليّ. ويجوز أن تكون (ما) مصدرية وما صدق الإنعام عليه ، هو ما أوتيه من الحكمة والعلم فتميزت عنده الحقائق ولم يبق للعوائد والتقاليد تأثير على شعوره. فأصبح لا ينظر الأشياء إلا بعين الحقيقة ، ومن ذلك أن لا يكون ظهيرا وعونا للمجرمين.
وأراد بالمجرمين من يتوسم منهم الإجرام ، وأراد بهم الذين يستذلون الناس ويظلمونهم لأن القبطي أذل الإسرائيلي بغصبه على تحميله الحطب دون رضاه.
ولعل هذا الكلام ساقه مساق الاعتبار عن قتله القبطي وثوقا بأنه قتله خطأ.
واقتران جملة (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) بالفاء لأن الموصول كثيرا ما يعامل معاملة اسم الشرط فيقترن خبره ومتعلقه بالفاء تشبيها له بجزاء الشرط وخاصة إذا كان الموصول مجرورا مقدّما فإن المجرور المقدّم قد يقصد به معنى الشرطية فيعامل معاملة الشرط كقوله في الحديث (كما تكونوا يول عليكم) بجزم (تكونوا) وإعطائه جوابا مجزوما.