وجملة (قالَ رَبِّ نَجِّنِي) بدل اشتمال من جملة (يَتَرَقَّبُ) لأن ترقبه يشتمل على الدعاء إلى الله بأن ينجيه.
والقوم الظالمون هم قوم فرعون. ووصفهم بالظلم لأنهم مشركون ولأنهم راموا قتله قصاصا عن قتل خطإ وذلك ظلم لأن الخطأ في القتل لا يقتضي الجزاء بالقتل في نظر العقل والشرع.
ومحل العبرة من قصة موسى مع القبطي وخروجه من المدينة من قوله (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) [القصص : ١٤] إلى هنا هو أن الله يصطفي من يشاء من عباده ، وأنه أعلم حيث يجعل رسالاته ، وأنه إذا تعلقت إرادته بشيء هيأ له أسبابه بقدرته فأبرزه على أتقن تدبير ، وأن الناظر البصير في آثار ذلك التدبير يقتبس منها دلالة على صدق الرسول في دعوته كما أشار إليه قوله تعالى (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [يونس : ١٦]. وإن أوضح تلك المظاهر هو مظهر استقامة السيرة ومحبة الحق ، وأن دليل عناية الله بمن اصطفاه لذلك هو نصره على أعدائه ونجاته مما له من المكائد. وفي ذلك كله مثل للمشركين لو نظروا في حال محمد صلىاللهعليهوسلم في ذاته وفي حالهم معه. ثم (إِنَ) في قوله تعالى (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) الآية إيماء إلى أن رسوله صلىاللهعليهوسلم سيخرج من مكة وأن الله منجيه من ظالميه.
(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢))
هذه هجرة نبوية تشبه هجرة إبراهيم عليهالسلام إذ قال (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) [العنكبوت : ٢٦]. وقد ألهم الله موسى عليهالسلام أن يقصد بلاد مدين إذ يجد فيها نبيئا يبصره بآداب النبوءة ولم يكن موسى يعلم إلى أين يتوجه ولا من سيجد في وجهته كما دل عليه قوله (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ).
فقوله تعالى (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) عطف على جمل محذوفة إذ التقدير : ولما خرج من المدينة هائما على وجهه فاتفق أن كان مسيره في طريق يؤدي إلى أرض مدين حينئذ قال (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ). قال ابن عباس : خرج موسى ولا علم له بالطريق إلا حسن ظن بربه.
و (تَوَجَّهَ) : ولى وجهه ، أي استقبل بسيره تلقاء مدين.
و (تِلْقاءَ) : أصله مصدر على وزن التفعال بكسر التاء ، وليس له نظير في كسر التاء