إلا تمثال ، وهو بمعنى اللقاء والمقاربة. وشاع إطلاق هذا المصدر على جهته فصار من ظروف المكان التي تنصب على الظرفية. والتقدير : لما توجه جهة تلاقي مدين ، أي جهة تلاقي بلاد مدين ، وقد تقدم قوله تعالى (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ) في سورة الأعراف [٤٧].
و (مَدْيَنَ) : قوم من ذرية مدين بن إبراهيم. وقد مضى الكلام عليهم عند قوله تعالى (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) في سورة الأعراف [٨٥].
وأرض مدين واقعة على الشاطئ الغربي من البحر الأحمر وكان موسى قد سلك إليها عند خروجه من بلد (رعمسيس) أو (منفيس) طريقا غربية جنوبية فسلك برية تمر به على أرض العمالقة وأرض الأدوميين ثم بلاد النبط إلى أرض مدين. تلك مسافة ثمانمائة وخمسين ميلا تقريبا. وإذ قد كان موسى في سيره ذلك راجلا فتلك المسافة تستدعي من المدة نحوا من خمسة وأربعين يوما. وكان يبيت في البرية لا محالة. وكان رجلا جلدا وقد ألهمه الله سواء السبيل فلم يضل في سيره.
والسواء : المستقيم النهج الذي لا التواء فيه. وقد ألهمه الله هذه الدعوة التي في طيها توفيقه إلى الدين الحق.
[٢٣ ، ٢٤] (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤))
يدل قوله (لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) أنه بلغ أرض مدين ، وذلك حين ورد ماءهم. والورود هنا معناه الوصول والبلوغ كقوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١]. والمراد بالماء موضع الماء. وماء القوم هو الذي تعرف به ديارهم لأن القبائل كانت تقطن عند المياه وكانوا يكنون عن أرض القبيلة بماء بني فلان ، فالمعنى : ولما ورد ، أي عند ما بلغ بلاد مدين. ويناسب الغريب إذا جاء ديار قوم أن يقصد الماء لأنه مجتمع الناس فهنالك يتعرف لمن يصاحبه ويضيفه.
و (لَمَّا) حرف توقيت وجود شيء بوجود غيره ، أي عند ما حل بأرض مدين وجد أمة.