(فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
كانت العوائد أن يفاتح الضيف بالسؤال عن حاله ومقدمه فلذلك قصّ موسى قصة خروجه ومجيئه على شعيب. وذلك يقتضي أن شعيبا سأله عن سبب قدومه ، و (الْقَصَصَ) : الخبر. و (قَصَّ عَلَيْهِ) أخبره.
والتعريف في (الْقَصَصَ) عوض عن المضاف إليه ، أي قصصه ، أو للعهد ، أي القصص المذكور آنفا. وتقدم نظيره في أول سورة يوسف.
فطمأنه شعيب بأنه يزيل عن نفسه الخوف لأنه أصبح في مأمن من أن يناله حكم فرعون لأن بلاد مدين تابعة لملك الكنعانيين وهم أهل بأس ونجدة. ومعنى نهيه عن الخوف نهيه عن ظن أن تناله يد فرعون.
وجملة (نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) تعليل للنهي عن الخوف. ووصف قوم فرعون بالظالمين تصديقا لما أخبره به موسى من رومهم قتله قصاصا عن قتل خطأ. وما سبق ذلك من خبر عداوتهم على بني إسرائيل.
[٢٦ ـ ٢٨] (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))
حذف ما لقيه موسى من شعيب من الجزاء بإضافته وإطعامه ، وانتقل منه إلى عرض إحدى المرأتين على أبيها أن يستأجره للعمل في ماشيته إذ لم يكن لهم بيتهم رجل يقوم بذلك وقد كبر أبوهما فلما رأت أمانته وورعه رأت أنه خير من يستأجر للعمل عندهم لقوته على العمل وأمانته.
والتاء في (أَبَتِ) عوض عن ياء المتكلم في النداء خاصة وهي يجوز كسرها وبه قرأ الجمهور. ويجوز فتحها وبه قرأ ابن عامر وأبو جعفر.
وجملة (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) علة للإشارة عليه باستئجاره ، أي لأن مثله من يستأجر. وجاءت بكلمة جامعة مرسلة مثلا لما فيها من العموم ومطابقة الحقيقة بدون تخلف ، فالتعريف باللام في (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) للجنس مراد به العموم. والخطاب في