ومعنى تصديقه إياه أن يكون سببا في تصديق فرعون وملئه إياه بإبانته عن الأدلة التي يلقيها موسى في مقام مجادلة فرعون كما يقتضيه قوله (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي). فإنه فرع طلب إرساله معه على كونه أفصح لسانا وجعل تصديقه جواب ذلك الطلب أو حالا من المطلوب فهو تفريع على تفريع ، فلا جرم أن يكون معناه مناسبا لمعنى المفرع عنه وهو أنه أفصح لسانا. وليس للفصاحة أثر في التصديق إلا بهذا المعنى.
وليس التصديق أن يقول لهم : صدق موسى ، لأن ذلك يستوي فيه الفصيح وذو الفهاهة. فإسناد التصديق إلى هارون مجاز عقلي لأنه سببه ، والمصدقون حقيقة هم الذين يحصل لهم العلم بأن موسى صادق فيما جاء به.
وجملة (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) تعليل لسؤال تأييده بهارون ، فهذه مخافة ثانية من التكذيب ، والأولى مخافة من القتل.
(قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥))
استجاب الله له دعوتيه وزاده تفضلا بما لم يسأله فاستجابة الدعوة الثانية بقوله (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) ، واستجابة الأولى بقوله (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) ، والتفضل بقوله (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) ، فأعطى موسى ما يماثل ما لهارون من المقدرة على إقامة الحجة إذ قال (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً). وقد دل على ذلك ما تكلم به موسى عليهالسلام من حجج في مجادلة فرعون كما في سورة الشعراء ، وهنا وما خاطب به بني إسرائيل مما حكي في سورة الأعراف. ولم يحك في القرآن أن هارون تكلم بدعوة فرعون على أن موسى سأل الله تعالى أن يحلل عقدة من لسانه كما في سورة طه ، ولا شك أن الله استجاب له.
والشد : الربط ، وشأن العامل بعضو إذا أراد أن يعمل به عملا متعبا للعضو أن يربط عليه لئلا يتفكك أو يعتريه كسر ، وفي ضد ذلك قال تعالى (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) [الأعراف : ١٤٩] وقولهم : فتّ في عضده ، وجعل الأخ هنا بمنزلة الرباط الذي يشد به. والمراد : أنه يؤيده بفصاحته ، فتعليقه بالشد ملحق بباب المجاز العقلي. وهذا كله تمثيل لحال إيضاح حجته بحال تقوية من يريد عملا عظيما أن يشد على يده وهو التأييد الذي شاع في معنى الإعانة والإمداد ، وإلا فالتأييد أيضا مشتق من اليد. فأصل معنى (أيد) جعل