و (الْأَرْضِ) يجوز أن يراد بها المعهودة ، أي أرض مصر وأن يراد بها الجنس ، أي في عالم الأرض لأنهم كانوا يومئذ أعظم أمم الأرض.
وقوله (بِغَيْرِ الْحَقِ) حال لازمة لعاملها إذ لا يكون الاستكبار إلا بغير الحق.
وقوله (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) معلوم بالفحوى من كفرهم بالله ، وإنما صرح به لأهمية إبطاله فلا يكتفى فيه بدلالة مفهوم الفحوى ، ولأن في التصريح به تعريضا بالمشركين في أنهم وإياهم سواء فليضعوا أنفسهم في أي مقام من مقامات أهل الكفر ، وقد كان أبو جهل يلقب عند المسلمين بفرعون هذه الأمة أخذا من تعريضات القرآن.
ومعنى ذلك : ظنوا أن لا بعث ولا رجوع لأنهم كفروا بالمرجوع إليه. فذكر (إِلَيْنا) لحكاية الواقع وليس بقيد فلا يتوهم أنهم أنكروا البعث ولم ينكروا وجود الله مثل المشركين. وتقديم (إِلَيْنا) على عامله لأجل الفاصلة.
ويجوز أن يكون المعنى : وظنوا أنهم في منعة من أن يرجعوا في قبضة قدرتنا كما دل عليه قوله في سورة الشعراء [٢٤ ، ٢٥] (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) استعجابا من ذلك. وعلى هذا الاحتمال فالتعريض بالمشركين باق على حاله فإنهم ظنوا أنهم في منعة من الاستئصال فقالوا (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢].
قرأ نافع وحمزة والكسائي (لا يُرْجَعُونَ) بفتح ياء المضارعة من (رجع). وقرأه الباقون بضمها من (أرجع) إذا فعل به الرجوع.
(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠))
أي ظنوا أنهم لا يرجعون إلينا فعجلنا بهلاكهم فإن ذلك من الرجوع إلى الله لأنه رجوع إلى حكمه وعقابه ، ويعقبه رجوع أرواحهم إلى عقابه ، فلهذا فرع على ظنهم ذلك الإعلام بأنه أخذ وجنوده. وجعل هذا التفريع كالاعتراض بين حكاية أحوالهم.
وجعل في «الكشاف» هذا من الكلام الفخم لدلالته على عظمة شأن الله إذ كان قوله (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) يتضمن استعارة مكنية : شبه هو وجنوده بحصيات أخذهن في كفه فطرحهن في البحر. وإذا حمل الأخذ على حقيقته كان فيه استعارة مكنية أيضا لأنه يستتبع