تشبيها بقبضة تؤخذ باليد كقوله تعالى (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) [الحاقة : ١٤] وقوله (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الزمر : ٦٧]. ويجوز أن يجعل جميع ذلك استعارة تمثيلية كما لا يخفى.
وقوله (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) اعتبار بسوء عاقبتهم لأجل ظلمهم أنفسهم بالكفر وظلمهم الرسول بالاستكبار عن سماع دعوته. وهذا موضع العبرة من سوق هذه القصة ليعتبر بها المشركون فيقيسوا حال دعوة محمد صلىاللهعليهوسلم بحال دعوة موسى عليهالسلام ويقيسوا حالهم بحال فرعون وقومه ، فيوقنوا بأن ما أصاب فرعون وقومه من عقاب سيصيبهم لا محالة. وهذا من جملة محل العبرة بهذا الجزء من القصة ابتداء من قوله تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ) [القصص : ٣٦] ليعتبر الناس بأن شأن أهل الضلالة واحد فإنهم يتلقون دعاة الخير بالإعراض والاستكبار واختلاق المعاذير فكما قال فرعون وقومه (ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) [القصص : ٣٦] قالت قريش (بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) [الأنبياء : ٥] ، وقالوا (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) [ص : ٧] أي التي أدركناها.
وكما طمع فرعون أن يبلغ إلى الله استكبارا منه في الأرض سأل المشركون (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) [الفرقان : ٢١] وظنوا أنهم لا يرجعون إلى الله كما ظن أولئك فيوشك أن يصيبهم من الاستئصال ما أصاب أولئك.
(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١))
عطف على جملة (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ) [القصص : ٣٩] أي استكبروا فكانوا ينصرون الضلال ويبثونه ، أي جعلناه وجنوده أئمة للضلالة المفضية إلى النار فكأنهم يدعون إلى النار فكل يدعو بما تصل إليه يده ؛ فدعوة فرعون أمره ، ودعوة كهنته باختراع قواعد الضلالة وأوهامها ، ودعوة جنوده بتنفيذ ذلك والانتصار له.
والأئمة : جمع إمام وهو من يقتدى به في عمل من خير أو شر قال تعالى (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) [الأنبياء : ٧٣]. ومعنى جعلهم أئمة يدعون إلى النار : خلق نفوسهم منصرفة إلى الشر ومعرضة عن الإصغاء للرشد وكان وجودهم بين ناس ذلك شأنهم. فالجعل جعل تكويني بجعل أسباب ذلك ، والله بعث إليهم الرسل لإرشادهم فلم