ينفع ذلك فلذلك أصروا على الكفر.
والدعاء إلى النار هو الدعاء إلى العمل الذي يوقع في النار فهي دعوة إلى النار بالمآل. وإذا كانوا يدعون إلى النار فهم من أهل النار بالأحرى فلذلك قال (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) أي لا يجدون من ينصرهم فيدفع عنهم عذاب النار. ومناسبة عطف (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) هي أن الدعاء يقتضي جندا وأتباعا يعتزون بهم في الدنيا ولكنهم لا يجدون عنهم يوم القيامة (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) [البقرة : ١٦٧].
(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢))
اتباعهم باللعنة في الدنيا جعل اللعنة ملازمة لهم في علم الله تعالى ؛ فقدر لهم هلاكا لا رحمة فيه ، فعبر عن تلك الملازمة بالاتباع على وجه الاستعارة لأن التابع لا يفارق متبوعه ، وكانت تلك عاقبة تلك اللعنة إلقاءهم في اليم. ويجوز أن يراد باللعنة لعن الناس إياهم ، يعني أن أهل الإيمان يلعنونهم.
وجزاؤهم يوم القيامة أنهم (مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) ، والمقبوح المشتوم بكلمة (قبح) ، أي قبحه الله أو الناس ، أي جعله قبيحا بين الناس في أعماله أي مذموما ، يقال : قبحه بتخفيف الباء فهو مقبوح كما في هذه الآية ويقال : قبّحه بتشديد الباء إذا نسبه إلى القبيح فهو مقبّح ، كما في حديث أم زرع مما قالت العاشرة : «فعنده أقول فلا أقبّح» أي فلا يجعل قولي قبيحا عنده غير مرضي.
والإشارة إلى الدنيا ب (هذِهِ) لتهوين أمر الدنيا بالنسبة للآخرة.
والتخالف بين صيغتي قوله (وَأَتْبَعْناهُمْ) وقوله (هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) ، لأن اللعنة في الدنيا قد انتهى أمرها بإغراقهم ، أو لأن لعن المؤمنين إياهم في الدنيا يكون في أحيان يذكرونهم ، فكلا الاحتمالين لا يقتضي الدوام فجيء معه بالجملة الفعلية. وأما تقبيح حالهم يوم القيامة فهو دائم معهم ملازم لهم فجيء في جانبه بالاسمية المقتضية الدوام والثبات.
وضمير (هُمْ) في قوله (هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) ليس ضمير فصل ولكنه ضمير مبتدأ وبه كانت الجملة اسمية دالة على ثبات التقبيح لهم يوم القيامة.