هذا المعنى قال مقاتل وهو الذي يستقيم به نظم الكلام ، ولو جعل الضمير عائدا إلى أهل مدين لكان أن يقال : تشهد فيهم آياتنا.
وجملة (تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) على حسب تفسير مقاتل في موضع الحال من ضمير (كُنْتَ) وهي حال مقدرة لاختلاف زمنها مع زمن عاملها كما هو ظاهر. والمعنى : ما كنت مقيما في أهل مدين كما يقيم المسافرون فإذا قفلوا من أسفارهم أخذوا يحدثون قومهم بما شاهدوا في البلاد الأخرى.
والاستدراك في قوله (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) ظاهر ، أي ما كنت حاضرا في أهل مدين فتعلم خبر موسى عن معاينة ولكنا كنا مرسليك بوحينا فعلّمناك ما لم تكن تعلمه أنت ولا قومك من قبل هذا.
وعدل عن أن يقال : ولكنا أوحينا بذلك ، إلى قوله (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) لأن المقصد الأهم هو إثبات وقوع الرسالة من الله للرد على المشركين في قولهم وقول أمثالهم (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) [القصص : ٣٦] وتعلم رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم بدلالة الالتزام مع ما يأتي من قوله (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً) [القصص : ٤٦] الآية فالاحتجاج والتحدي في هذه الآية والآية التي قبلها تحد بما علمه النبي عليه الصلاة والسلام من خبر القصة الماضية.
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦))
جانب الطور : هو الجانب الغربي ، وهو الجانب الأيمن المتقدم وصفه بذينك الوصفين ، فعري عن الوصف هنا لأنه صار معروفا ، وقيد الكون المنفي بظرف (نادَيْنا) أي بزمن ندائنا.
وحذف مفعول النداء لظهور أنه نداء موسى من قبل الله تعالى وهو النداء لميقات أربعين ليلة وإنزال ألواح التوراة عقب تلك المناجاة كما حكي في الأعراف وكان ذلك في جانب الطور إذ كان بنو إسرائيل حول الطور كما قال تعالى (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) [طه : ٨٠] وهو نفس المكان الذي نودي فيه موسى للمرة الأولى في رجوعه من ديار مدين كما تقدم ، فالنداء الذي في قوله هنا (إِذْ نادَيْنا) غير النداء الذي في قوله (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) إلى قوله (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ) [القصص : ٣٠] الآية لئلا يكون تكرارا مع قوله : (وَما كُنْتَ