بإثارة من شريعة معصومة ، فكانوا في ضرورة إلى إرسال نذير ، وللتعريض بكفرانهم هذه النعمة ، وليس في الكلام ما يقتضي تخصيص النذارة بهم ولا ما يقتضي أن غيرهم ممن أنذرهم محمد صلىاللهعليهوسلم لم يأتهم نذير من قبله مثل اليهود والنصارى وأهل مدين.
وفي قوله (لِتُنْذِرَ) مع قوله (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ) إشارة إلى أنهم بلغوا بالكفر حدا لا يتجاوزه حلم الله تعالى.
والتذكر : هو النظر العقلي في الأسباب التي دعت إلى حكمة إنذارهم وهي تناهي ضلالهم فوق جميع الأمم الضالة إذ جمعوا إلى الإشراك مفاسد جمة من قتل النفوس ، وارتزاق بالغارات وبالمقامرة ، واختلاط الأنساب ، وانتهاك الأعراض. فوجب تذكيرهم بما فيه صلاح حالهم.
وتقدم آنفا نظير قوله (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧))
هذا متصل بقوله (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [القصص : ٤٦] ، لأن الإنذار يكون بين يدي عذاب.
و (لَوْ لا) الأولى حرف امتناع لوجود ، أي انتفاء جوابها لأجل وجود شرطها وهو حرف يلزم الابتداء فالواقع بعده مبتدأ والخبر عن المبتدأ الواقع بعد (لَوْ لا) واجب الحذف وهو مقدر بكون عام. والمبتدأ هنا هو المصدر المنسبك من (أَنْ) وفعل (تُصِيبَهُمْ) والتقدير : لو لا إصابتهم بمصيبة ، وقد عقب الفعل المسبوك بمصدر بفعل آخر وهو (فَيَقُولُوا) ، فوجب أن يدخل هذا الفعل المعطوف في الانسباك بمصدر ، وهو معطوف بفاء التعقيب. فهذا المعطوف هو المقصود مثل قوله تعالى (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢] فالمقصود هو «أن تذكر إحداهما الأخرى».
وإنما حيك نظم الكلام على هذا المنوال ولم يقل : ولو لا أن يقولوا ربنا إلخ حين تصيبهم مصيبة إلى آخره ، لنكتة الاهتمام بالتحذير من إصابة المصيبة فوضعت في موضع المبتدأ دون موضع الظرف لتساوي المبتدأ المقصود من جملة شرط (لَوْ لا) فيصبح هو وظرفه عمدتين في الكلام ، فالتقدير هنا : ولو لا إصابتهم بمصيبة يعقبها قولهم (رَبَّنا لَوْ لا