من الكلام : وعدا ، ووعيدا ، وترغيبا ، وترهيبا ، وقصصا ومواعظ وعبرا ، ونصائح يعقب بعضها بعضا وينتقل من فن إلى فن وفي كل ذلك عون على نشاط الذهن للتذكر والتدبر.
واللام و (قد) كلاهما للتأكيد ردا عليه إذ جهلوا حكمة تنجيم نزول القرآن وذكرت لهم حكمة تنجيمه هنا بما يرجع إلى فائدتهم بقوله (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). وذكر في آية سورة الفرقان [٣٢] حكمة أخرى راجعة إلى فائدة الرسول صلىاللهعليهوسلم بقوله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا (١)لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) وفهم من ذلك أنهم لم يتذكروا. وضمير (لَهُمُ) عائد إلى المشركين.
[٥٢ ـ ٥٣] (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣))
لمّا أفهم قوله (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [القصص : ٥١] أنهم لم يفعلوا ولم يكونوا عند رجاء الراجي عقب ذلك بهذه الجملة المستأنفة استئنافا بيانيا لأنها جواب لسؤال من يسأل هل تذكر غيرهم بالقرآن أو استوى الناس في عدم التذكر به. فأجيب بأن الذين أوتوا الكتاب من قبل نزول القرآن يؤمنون به إيمانا ثابتا.
والمراد بالذين أوتوا الكتاب طائفة معهودة من أهل الكتاب شهد الله لهم بأنهم يؤمنون بالقرآن ويتدبرونه وهم بعض النصارى ممن كان بمكة مثل ورقة بن نوفل ، وصهيب ، وبعض يهود المدينة مثل عبد الله بن سلام ورفاعة بن رفاعة القرظي ممن بلغته دعوة النبيصلىاللهعليهوسلم قبل أن يهاجر النبي إلى المدينة فلما هاجر أظهروا إسلامهم.
وقيل : أريد بهم وفد من نصارى الحبشة اثنا عشر رجلا بعثهم النجاشي لاستعلام أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة فجلسوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فآمنوا به وكان أبو جهل وأصحابه قريبا منهم يسمعون إلى ما يقولون فلما قاموا من عند النبي صلىاللهعليهوسلم تبعهم أبو جهل ومن معه فقال لهم : خيّبكم الله من ركب وقبحكم من وفد لم تلبثوا أن صدقتموه ، فقالوا : سلام عليكم لم نأل أنفسنا رشدا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم. وبه ظهر أنهم لما رجعوا أسلم النجاشي وقد أسلم بعض نصارى الحبشة لما وفد إليهم أهل الهجرة إلى الحبشة وقرءوا عليهم القرآن وأفهموهم الدين.
__________________
(١) في المطبوعة وقالوا لو لا.