لهم إكراما فكأنه رزق خاص من مكان شديد الاختصاص بالله تعالى.
وقد حصل في خلال الرد لقولهم إدماج للامتنان عليهم بهذه النعمة ليحصل لهم وازعان عن الكفر بالمنعم : وازع إبطال معذرتهم عن الكفر ، ووازع التذكير بنعمة المكفور به.
وموقع الاستدراك في قوله (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنه متعلق بالكلام المسوق مساق الرد على قولهم (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) إذ التقدير : أن تلك نعمة ربانية ولكن أكثرهم لا علم لهم فلذلك لم يتفطنوا إلى كنه هذه النعمة فحسبوا أن الإسلام مفض إلى اعتداء العرب عليهم ظنّا بأن حرمتهم بين العرب مزيّة ونعمة أسداها إليهم قبائل العرب.
وفعل (لا يَعْلَمُونَ) منزّل منزلة اللازم فلا يقدّر له مفعول ، أي ليسوا ذوي علم ونظر بل هم جهلة لا يتدبّرون الأحوال. ونفي العلم عن أكثرهم لأن بعضهم أصحاب رأي فلو نظروا وتدبروا لما قالوا مقالتهم تلك.
ولو قدر لفعل (يَعْلَمُونَ) مفعول دل عليه الكلام ، أي لا يعلمون تمكين الحرم لهم وأن جلب الثمرات إليهم من فضلنا لما استقام إسناد نفي العلم إلى أكثرهم بل كان يسند إلى جميعهم لإطباق كلمتهم على مقالة (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا).
وقرأ نافع وأبو جعفر ورويس عن يعقوب تجبى بالمثناة الفوقية. وقرأ الباقون بالياء التحتية مراعاة للمضاف إليه وهو (كُلِّ شَيْءٍ) فأكسب المضاف تأنيثا.
(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨))
عطف على جملة (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) [القصص : ٥٧] باعتبار ما تضمنته من الإنكار والتوبيخ ، فإن ذلك يقتضي التعرض للانتقام شأن الأمم التي كفرت بنعم الله فهو تخويف لقريش من سوء عاقبة أقوام كانوا في مثل حالهم من الأمن والرزق فغمطوا النعمة وقابلوها بالبطر.
والبطر : التكبر. وفعله قاصر من باب فرح ، فانتصاب (مَعِيشَتَها) بعد (بَطِرَتْ) على تضمين (بَطِرَتْ) معنى (كفرت) لأن البطر وهو التكبر يستلزم عدم الاعتراف بما