والمراد بإهلاك القرى إهلاك أهلها. وإنما علق الإهلاك بالقرى للإشارة إلى أن شدة الإهلاك بحيث يأتي على الأمة وأهلها وهو الإهلاك بالحوادث التي لا تستقر معها الديار بخلاف إهلاك الأمة فقد يكون بطاعون ونحوه فلا يترك أثرا في القرى.
وإسناد الخبر إلى الله بعنوان ربوبيته للنبي صلىاللهعليهوسلم إيماء إلى أن المقصود بهذا الإنذار هم أمة محمد الذين كذبوا فالخطاب للنبي عليهالسلام لهذا المقصد. ولهذا وقع الالتفات عنه إلى ضمير المتكلم في قوله (آياتِنا) للإشارة إلى أن الآيات من عند الله وأن الدين دين الله.
وضمير (عَلَيْهِمْ) عائد إلى المعلوم من القرى وهو أهلها كقوله (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) [يوسف : ٨٢] ، ومنه قوله (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) [العلق : ١٧].
وقد حصل في هذه الجملة تفنن في الأساليب إذ جمعت الاسم الظاهر وضمائر الغيبة والخطاب والتكلم.
ثم بين السبب بقوله (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) أي ما كان من عادتنا في عبادنا أن نهلك أهل القرى في حالة إلا في حالة ظلمهم أنفسهم بالإشراك ، فالإشراك سبب الإهلاك وإرسال رسول شرطه ، فيتم ظلمهم بتكذيبهم الرسول.
وجملة (وَأَهْلُها ظالِمُونَ) في موضع الحال ، وهو حال مستثنى من أحوال محذوفة اقتضاها الاستثناء المفرغ ، أي ما كنا مهلكي القرى في حال إلا في حال ظلم أهلها.
(وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠))
لما ذكرهم الله بنعمه عليهم تذكيرا أدمج في خلال الرد على قولهم (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) [القصص : ٥٧] بقوله تجبى (إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) [القصص : ٥٧] أعقبه بأن كل ما أوتوه من نعمة هو من متاع الحياة الدنيا كالأمن والرزق ، ومن زينتها كاللباس والأنعام والمال ، وأما ما عند الله من نعيم الآخرة من ذلك وأبقى لئلا يحسبوا أن ما هم فيه من الأمن والرزق هو الغاية المطلوبة فلا يتطلبوا ما به تحصيل النعيم العظيم الأبدي ، وتحصيله بالإيمان. ولا يجعلوا ذلك موازنا لاتباع الهدى وإن كان في اتباع الهدى تقويت ما هم فيه من أرضهم وخيراتها لو سلّم ذلك. هذا وجه مناسبة هذه الآية لما قبلها.