السليمة والأديان القويمة.
ومفعول (نَتْلُوا) محذوف دل عليه صفته وهي (مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ) فالتقدير : نتلو عليك كلاما من نبأ موسى وفرعون.
و (مِنْ) تبعيضية فإن المتلو في هذه السورة بعض قصة موسى وفرعون في الواقع ألا ترى أنه قد ذكرت في القرآن أشياء من قصة موسى لم تذكر هنا مثل ذكر آية الطوفان والجراد.
وجعل الزمخشري (مِنْ) اسما بمعنى (بعض) فجعلها مفعول (نَتْلُوا). وجعل الأخفش (مِنْ) زائدة لأنه يرى أن (مِنْ) تزاد في الإثبات ، فجعل (نَبَإِ مُوسى) هو المفعول جرّ بحرف الجر الزائدة.
والنبأ : الخبر المهم العظيم.
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤))
وهذه الجملة وما عطف عليها بيان لجملة (نَتْلُوا) [القصص : ٣] أو بيان ل (نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ) [القصص : ٣] فقدم له الإجمال للدلالة على أنه نبأ له شأن عظيم وخطر بما فيه من شتى العبر. وافتتاحها بحرف التوكيد للاهتمام بالخبر.
وابتدئت القصة بذكر أسبابها لتكون عبرة للمؤمنين يتخذون منها سننا يعلمون بها علل الأشياء ومعلولاتها ، ويسيرون في شئونهم على طرائقها ، فلو لا تجبر فرعون وهو من قبيح الخلال من حلّ به وبقومه الاستئصال ، ولما خرج بنو إسرائيل من ذل العبودية. وهذا مصداق المثل : مصائب قوم عند قوم فوائد ، وقوله تعالى (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦].
وصورت عظمة فرعون في الدنيا بقوله (عَلا فِي الْأَرْضِ) لتكون العبرة بهلاكه بعد ذلك العلو أكبر العبر.
ومعنى العلوّ هنا الكبر ، وهو المذموم من العلو المعنوي كالذي في قوله تعالى (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٨٣]. ومعناه : أن يستشعر نفسه عاليا على موضع غيره ليس يساويه أحد ، فالعلو مستعار لمعنى التفوّق على غيره ، غير محقوق