لخلاصكم ، وتكون جملة (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) كذلك مستأنفة ابتدائية.
الثالث : أن تكون الرؤية علمية ، وحذف المفعول الثاني اختصارا ، والعذاب عذاب الآخرة. والمعنى : وعلموا العذاب حائقا بهم ، والواو للعطف أو الحال. وجملة (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) مستأنفة استئنافا بيانيا كأن سائلا سأل : ما ذا صنعوا حين تحققوا أنهم معذبون؟ فأجيب بأنهم لو أنهم كانوا يهتدون سبيلا لسلكوه ولكنهم لا سبيل لهم إلى النجاة.
وعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون (لَوْ) حرف شرط وجوابها محذوفا دل عليه حذف مفعول (يَهْتَدُونَ) أي يهتدون خلاصا أو سبيلا. والتقدير : لتخلصوا منه. وعلى الوجوه الثلاثة ففعل (كانُوا) مزيد في الكلام لتوكيد خبر (أنّ) أي لو أنهم يهتدون اهتداء متمكنا من نفوسهم ، وفي ذلك إيماء أنهم حينئذ لا قرارة لنفوسهم. وصيغة المضارع في (يَهْتَدُونَ) دالة على التجدد فالاهتداء منقطع عنهم وهو كناية عن عدم الاهتداء من أصله.
الوجه الرابع : أن تكون (لَوْ) للتمني المستعمل في التحسر عليهم. والمراد اهتداؤهم في حياتهم الدنيا كيلا يقعوا في هذا العذاب ، وفعل (كانُوا) حينئذ في موقعه الدال على الاتصاف بالخبر في الماضي ، وصيغة المضارع في (يَهْتَدُونَ) لقصد تجدد الهدى المتحسر على فواته عنهم فإن الهدى لا ينفع صاحبه إلا إذا استمر إلى آخر حياته.
ووجه خامس عندي : أن يكون المراد بالعذاب عذاب الدنيا ، والكلام على حذف مضاف تقديره : ورأوا آثار العذاب. والرؤية بصرية ، أي وهم رأوا العذاب في حياتهم أي رأوا آثار عذاب الأمم الذين كذبوا الرسل وهذا في معنى قوله تعالى في سورة إبراهيم [٤٥ (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) ؛ وجملة (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) شرط جوابه محذوف دل عليه (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) أي بالاتعاظ وبالاستدلال بحلول العذاب في الدنيا على أن وراءه عذابا أعظم منه لاهتدوا فأقلعوا عن الشرك وصدقوا النبي صلىاللهعليهوسلم. وهذا لأنه يفيد معنى زائدا على ما أفادته جملة (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ). فهذه عدة معان يفيدها لفظ الآية ، وكلها مقصودة ، فالآية من جوامع الكلم.
[٦٥ ـ ٦٦] (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦))
هو (يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص : ٦٢]. كرر