وما يعلنونه من أقوالهم وأفعالهم. فضمير (صُدُورُهُمْ) عائد إلى (ما) من قوله (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [القصص : ٦٨] باعتبار معناها ، أي ما تكنّ صدور المخلوقات وما يعلنون. وحيث أجريت عليهم ضمائر العقلاء فقد تعين أن المقصود البشر من المخلوقات وهم المقصود من العموم في (ما يَشاءُ) [القصص : ٦٨] فبحسب ما يعلم منهم يختارهم ويجازيهم فحصل بهذا إيماء إلى علة الاختيار وإلى الوعد والوعيد. وهذا منتهى الإيجاز.
وفي إحضار الجلالة بعنوان (وَرَبُّكَ) إيماء إلى أن مما تكنه صدورهم بغض محمدصلىاللهعليهوسلم. وتقدم (ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) آخر النمل [٧٤].
(وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠))
عطف على جملة (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) [القصص : ٦٨] الآية. والمقصود هو قوله (وَلَهُ الْحُكْمُ) وإنما قدم عليه ما هو دليل على أنه المنفرد بالحكم مع إدماج صفات عظمته الذاتية المقتضية افتقار الكل إليه.
ولذلك ابتدئت الجملة بضمير الغائب ليعود إلى المتحدث عنه بجميع ما تقدم من قوله (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [القصص : ٥٨] إلى هنا ، أي الموصوف بتلك الصفات العظيمة والفاعل لتلك الأفعال الجليلة. والمذكور بعنوان (رَبُّكَ) [القصص : ٦٩] هو المسمى الله اسما جامعا لجميع معاني الكمال. فضمير الغيبة مبتدأ واسم الجلالة خبره ، أي فلا تلتبسوا فيه ولا تخطئوا بادعاء ما لا يليق باسمه. وقريب منه قوله (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) [يونس : ٣٢].
وقوله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) خبر ثان عن ضمير الجلالة ، وفي هذا الخبر الثاني زيادة تقرير لمدلول الخبر الأول فإن اسم الجلالة اختص بالدلالة على الإله الحق إلا أن المشركين حرفوا أو أثبتوا الإلهية للأصنام مع اعترافهم بأنها إلهية دون إلهية الله تعالى فكان من حق النظر أن يعلم أن لا إله إلا هو ، فكان هذا إبطالا للشرك بعد إبطاله بحكاية تلاشيه عن أهل ملته يوم القيامة بقوله (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) [القصص : ٦٤].
وأخبر عن اسم الجلالة خبرا ثانيا بقوله (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) وهو استدلال على انتفاء إلهية غيره بحجة أن الناس مؤمنهم وكافرهم لا يحمدون في الدنيا إلا