المقصود إجمالا وأن لا يتنازل إلى التفصيل لأن ذلك التفصيل يتنزل منزلة الحشو عند أهل العقول الراجحة وليكون للمسلمين رجاء في مدة أقرب مما ظهر ففي ذلك تفريج عليهم. وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الجهة الرابعة في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير.
روى الترمذي بأسانيد حسنة وصحيحة أن المشركين كانوا يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب مثلهم فكانت فارس يوم نزلت (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ) قاهرين للروم فذكروه لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله (أما أنهم سيغلبون) ونزلت هذه الآية فخرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم : ١ ـ ٣] فقال ناس من قريش لأبي بكر : فذلك بيننا وبينكم ، زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك قال : بلى ـ وذلك قبل تحريم الرهان ـ وقالوا لأبي بكر : كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسمّ بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه. فسمّى أبو بكر لهم ست سنين فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان فمضت ست السنين قبل أن يظهر الروم فأخذ المشركون رهن أبي بكر. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبى بكر : «ألا أخفضت يا أبا بكر ، ألا جعلته إلى دون العشر فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع». وعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين وأسلم عند ذلك ناس كثير. وذكر المفسرون أن الذي راهن أبا بكر هو أبيّ بن خلف ، وأنهم جعلوا الرهان خمس قلائص ، وفي رواية أنهم بعد أن جعلوا الأجل ستة أعوام غيروه فجعلوه تسعة أعوام وازدادوا في عدد القلائص ، وأن أبا بكر لما أراد الهجرة مع النبي صلىاللهعليهوسلم تعلق به أبي بن خلف وقال له : أعطني كفيلا بالخطر إن غلبت ، فكفل به ابنه عبد الرحمن ، وكان عبد الرحمن أيامئذ مشركا باقيا بمكة. وأنه لما أراد أبي بن خلف الخروج إلى أحد طلبه عبد الرحمن بكفيل فأعطاه كفيلا. ثم مات أبي بمكة من جرح جرحه النبيصلىاللهعليهوسلم ، فلما غلب الروم بعد سبع سنين أخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبي بن خلف. وقد كان تغلب الروم على الفرس في سنة ست وورد الخبر إلى المسلمين. وفي حديث الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : «لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين». والمعروف أن ذلك كان يوم الحديبية. وقد تقدم في أول السورة أن المدة بين انهزام الروم وانهزام الفرس سبع سنين بتقديم السّين وأن ما وقع في بعض الروايات أنها تسع