وقوله (أَوْ فِي السَّماواتِ) عطف على (فِي صَخْرَةٍ) لأن الصخرة من أجزاء الأرض فذكر بعدها (أَوْ فِي السَّماواتِ) على معنى : أو كانت في أعزّ منالا من الصخرة ، وعطف عليه (أَوْ فِي الْأَرْضِ) وإنما الصخرة جزء من الأرض لقصد تعميم الأمكنة الأرضية فإن الظرفية تصدق بهما ، أي : ذلك كله سواء في جانب علم الله وقدرته ، كأنه قال : فتكن في صخرة أو حيث كانت من العالم العلوي والعالم السفلي وهو معنى قوله (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [يونس : ٦١].
والإتيان كناية عن التمكن منها ، وهو أيضا كناية رمزيّة عن العلم بها لأن الإتيان بأدق الأجسام من أقصى الأمكنة وأعمقها وأصلبها لا يكون إلا عن علم بكونها في ذلك المكان وعلم بوسائل استخراجها منه.
وجملة (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) يجوز أن تكون من كلام لقمان فهي كالمقصد من المقدمة أو كالنتيجة من الدليل ، ولذلك فصلت ولم تعطف لأن النتيجة كبدل الاشتمال يشتمل عليها القياس ولذلك جيء بالنتيجة كلية بعد الاستدلال بجزئية. وإنما لم نجعلها تعليلا لأن مقام تعليم لقمان ابنه يقتضي أن الابن جاهل بهذه الحقائق ، وشرط التعليل أن يكون مسلّما معلوما قبل العلم بالمعلّل ليصح الاستدلال به. ويجوز أن تكون معترضة بين كلام لقمان تعليما من الله للمسلمين.
واللطيف : من يعلم دقائق الأشياء ويسلك في إيصالها إلى من تصلح به مسلك الرفق ، فهو وصف مؤذن بالعلم والقدرة الكاملين ، أي يعلم ويقدر وينفذ قدرته ، وتقدم في قوله (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) في سورة الأنعام [١٠٣]. ففي تعقيب (يَأْتِ بِهَا اللهُ) بوصفه ب (اللطيف) إيماء إلى أن التمكن منها وامتلاكها بكيفية دقيقة تناسب فلق الصخرة واستخراج الخردلة منها مع سلامتهما وسلامة ما اتصل بهما من اختلال نظام صنعه. وهنا قد استوفى أصول الاعتقاد الصحيح.
وجملة (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان : ١٦] يجوز أن تكون من كلام لقمان وأن تكون معترضة من كلام الله تعالى.
(يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧))