وإسباغ النعم : إكثارها. وأصل الإسباغ : جعل ما يلبس سابغا ، أي وافيا في الستر. ومنه قولهم : درع سابغة. ثم استعير للإكثار لأن الشيء السابغ كثير فيه ما يتخذ منه من سرد أو شقق أثواب ، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فقيل : سوابغ النعم.
والنعمة : المنفعة التي يقصد بها فاعلها الإحسان إلى غيره.
وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر (نِعَمَهُ) بصيغة جمع نعمة مضاف إلى ضمير الجلالة ، وفي الإضافة إلى ضمير الله تنويه بهذه النعم. وقرأ الباقون نعمة بصيغة المفرد ، ولما كان المراد الجنس استوى فيه الواحد والجمع.
والتنكير فيها للتعظيم فاستوى القراءتان في إفادة التنويه بما أسبغ الله عليهم. وانتصب (ظاهِرَةً وَباطِنَةً) على الحال على قراءة نافع ومن معه ، وعلى الصفة على قراءة البقية.
والظاهرة : الواضحة. والباطنة : الخفية وما لا يعلم إلا بدليل أو لا يعلم أصلا.
وأصل الباطنة المستقرة في باطن الشيء أي داخله ، قال تعالى : (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) [الحديد : ١٣] فكم في بدن الإنسان وأحواله من نعم يعلمها الناس أو لا يعلمها بعضهم ، أو لا يعلمها إلا العلماء ، أو لا يعلمها أهل عصر ثم تنكشف لمن بعدهم ، وكلا النوعين أصناف دينية ودنيوية.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١)).
الواو في قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ) واو الحال. والمعنى : قد رأيتم أن الله سخّر لكم ما في السماوات وأنعم عليكم نعما ضافية في حال أن بعضكم يجادل في وحدانية الله ويتعامى عن دلائل وحدانيته. وجملة الحال هنا خبر مستعمل في التعجيب من حال هذا الفريق. ولك أن تجعل الواو اعتراضيّة والجملة معترضة بين جملة (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ) وبين جملة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [لقمان : ٢٥].
وقوله (وَمِنَ النَّاسِ) من الإظهار في مقام الإضمار كأنه قيل : ومنكم ، و (مِنَ) تبعيضية. والمراد بهذا الفريق : هم المتصدون لمحاجة النبي صلىاللهعليهوسلم والتمويه على قومهم مثل النضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، وعبد الله بن الزّبعرى.