يدفعه صاحبه إلى آخر ويكله إليه. وحقيقته أن يعدى باللام ، أي وجهه وهو ذاته سالما لله ، أي خالصا له كما في قوله تعالى (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) في سورة آل عمران [٢٠].
والإحسان : العمل الصالح والإخلاص في العبادة. وفي الحديث : «الإحسان أن تعبد الله كأنه تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك». والمعنى : ومن يسلم إسلاما لا نفاق فيه ولا شك فقد أخذ بما يعتصم به من الهويّ أو التزلزل.
وقوله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) مضى الكلام على نظيره عند قوله تعالى (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) في سورة البقرة [٢٥] ، وهو ثناء على المسلمين. وتذييل هذا بقوله (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) إيماء إلى وعدهم بلقاء الكرامة عند الله في آخر أمرهم وهو الحياة الآخرة.
والتعريف في (الْأُمُورِ) للاستغراق ، وهو تعميم يراد به أن أمور المسلمين التي هي من مشمولات عموم الأمور صائرة إلى الله وموكولة إليه فجزاؤهم بالخير مناسب لعظمة الله.
والعاقبة : الحالة الخاتمة والنهاية. و (الْأُمُورِ) : جمع أمر وهو الشأن.
وتقديم (إِلَى اللهِ) للاهتمام والتنبيه إلى أن الراجع إليه يلاقي جزاءه وافيا.
(وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣))
لما خلا ذمّ الذين كفروا عن الوعيد وانتقل منه إلى مدح المسلمين ووعدهم عطف عنان الكلام إلى تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم بتهوين كفرهم عليه تسلية له وتعريضا بقلة العبء بهم لأن مرجعهم إلى الله فيريهم الجزاء المناسب لكفرهم ، فهو تعريض لهم بالوعيد.
وأسند النهي إلى كفرهم عن أن يكون محزنا للرسول صلىاللهعليهوسلم مجازا عقليا في نهي الرسول عليه الصلاة والسلام عن مداومة الفكر بالحزن لأجل كفرهم لأنه إذا قلع ذلك من نفسه انتفى إحزان كفرهم إياه. وقرأ نافع (يَحْزُنْكَ) ـ بضم التحتية وكسر الزاي ـ مضارع أحزنه إذا جعله حزينا. وقرأ البقية (يَحْزُنْكَ) ـ بفتح التحتية وضم الزاي ـ مضارع حزنه بذلك المعنى ، وهما لغتان : الأولى لغة تميم ، والثانية لغة قريش ، والأولى أقيس وكلتاهما فصحى ولغة تميم من اللغات التي نزل بها القرآن وهي لغة عليا تميم وهم بنو دارم كما