تقدم في المقدمة السادسة. وزعم أبو زيد والزمخشري : أن المستفيض أحزن في الماضي ويحزن في المستقبل ، يريدان الشائع على ألسنة الناس ، والقراءة رواية وسنة. وتقدم في سورة يوسف [١٣] (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي) وفي سورة الأنعام [٣٣] (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ).
وجملة (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) واقعة موقع التعليل للنهي ، وهي أيضا تمهيد لوعد الرسولصلىاللهعليهوسلم بأن الله يتولى الانتقام منهم المدلول عليه بقوله (فَنُنَبِّئُهُمْ) مفرعا على جملة (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) كناية عن المجازاة ؛ استعمل الإنباء وأريد لازمه وهو الإظهار كما تقدم آنفا.
وجملة (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) تعليل لجملة (فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) ، فموقع حرف (إِنَ) هنا مغن عن فاء التسبب كما في قول بشار :
إن ذاك النجاح في التبكير
و (بِذاتِ الصُّدُورِ) : هي النوايا وأعراض النفس من نحو الحقد وتدبير المكر والكفر. ومناسبته هنا أن كفر المشركين بعضه إعلان وبعضه إسرار قال تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [الملك : ١٣] ، وتقدم في قوله تعالى : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) في سورة الأنفال [٤٣].
(نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤))
استئناف بياني لأن قوله (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) [لقمان : ٢٣] يثير في نفوس السامعين سؤالا عن عدم تعجيل الجزاء إليهم ، فبيّن بأن الله يمهلهم زمنا ثم يوقعهم في عذاب لا يجدون منه منجى. وهذا الاستئناف وقع معترضا بين الجمل المتعاطفة.
والتمتيع : العطاء الموقت فهو إعطاء المتاع ، أي الشيء القليل. و (قَلِيلاً) صفة لمصدر مفعول مطلق ، أي تمتيعا قليلا ، وقلته بالنسبة إلى ما أعدّ الله للمسلمين أو لقلة مدته في الدنيا بالنسبة إلى مدة الآخرة ، وتقدم عند قوله تعالى (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) في الأعراف [٢٤].
والاضطرار : الإلجاء ، وهو جعل الغير ذا ضرورة ، أي : لزوم ، وتقدم عند قوله تعالى : (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) في سورة البقرة [١٢٦].