عقب بقوله (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فإن العزيز المطلق هو الذي يغلب كل مغالب له ، وعقبه ب (الرَّحِيمُ) للإشارة إلى أن عزّته تعالى لا تخلو من رحمة بعباده ولو لا رحمته لما أدال للمغلوب دولة على غالبه مع أنه تعالى هو الذي أراد غلبة الغالب الأول ، فكان الأمر الأول بعزته والأمر الثاني برحمته للمغلوب المنكوب وترتيب الصفتين العليتين منظور فيه لمقابلة كل صفة منهما بالذي يناسب ذكره من الغالبين ، فالمراد رحمته في الدنيا.
[٦ ـ ٧] (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧))
انتصب (وَعْدَ اللهِ) على المفعولية المطلقة. وهذا من المفعول المطلق المؤكد لمعنى جملة قبله هي بمعناه ويسميه النحويون مصدرا مؤكدا لنفسه تسمية غريبة يريدون بنفسه معناه دون لفظه. ومثله في «الكشاف» ومثلوه بنحو «لك عليّ ألف عرفا» لأن عرفا بمعنى اعترافا ، أكد مضمون جملة : لك علي ألف ، وكذلك (وَعْدَ اللهِ) أكد مضمون جملة (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم : ٣ ، ٤].
وإضافة الوعد إلى الله تلويح بأنه وعد محقق الإيفاء لأن وعد الصادق القادر الغني لا موجب لإخلافه. وجملة (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) بيان للمقصود من جملة (وَعْدَ اللهِ) فإنها دلت على أنه وعد محقّق بطريق التلويح ، فبيّن ذلك بالصريح بجملة (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ). ولكونها في موقع البيان فصلت ولم تعطف ، وفائدة الإجمال ثم التفصيل تقرير الحكم لتأكيده ، ولما في جملة (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) من إدخال الرّوع على المشركين بهذا التأكيد. وسماه وعدا نظرا لحال المؤمنين الذي هو أهم هنا. وهو أيضا وعيد للمشركين بخذلان أشياعهم ومن يفتخرون بمماثلة دينهم.
وموقع الاستدراك في قوله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) هو ما اقتضاه الإجمال. وتفصيله من كون ذلك أمرا لا ارتياب فيه وأنه وعد الله الصادق الوعد القادر على نصر المغلوب فيجعله غالبا ، فاستدرك بأن مراهنة المشركين على عدم وقوعه نشأت عن قصور عقولهم فأحالوا أن تكون للروم بعد ضعفهم دولة على الفرس الذين قهروهم في زمن قصير هو بضع سنين ولم يعلموا أن ما قدره الله أعظم.
فالمراد ب (أَكْثَرَ النَّاسِ) ابتداء المشركون لأنهم سمعوا الوعد وراهنوا على عدم