قوله (لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) كناية رمزية عن المؤمنين وتعريضا رمزيا بالمشركين. ووجه إيثار خلقي الصبر والشكر هنا للكناية بهما ، من بين شعب الإيمان ، أنهما أنسب بمقام السير في البحر إذ راكب البحر بين خطر وسلامة وهما مظهر الصبر والشكر ، كما تقدم في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) الآية في سورة يونس [٢٢].
وفي قوله (لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) حسن التخلص إلى التفصيل الذي عقبه في قوله (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) الآية ، فعطف على آيات سير الفلك إشارة إلى أن الناس يذكرون الله عند تلك الآيات عند الاضطرار ، وغفلتهم عنها في حال السلامة ، وهو ما تقدم مثله في قوله في سورة العنكبوت [٦٥] : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) وقوله في سورة يونس [٢٢] : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) الآيات.
والغشيان : مستعار للمجيء المفاجئ لأنه يشبه التغطية ، وتقدم في قوله تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) في سورة الأعراف [٥٤].
والظّلل : بضم الظاء وفتح اللام : جمع ظلّة بالضم وهي : ما أظلّ من سحاب.
والفاء في قوله (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) تدلّ على مقدر كأنه قيل : فلما نجاهم انقسموا فمنهم مقتصد ومنهم غيره كما سيأتي. وجعل ابن مالك الفاء داخلة على جواب لما أي رابطة للجواب ومخالفوه يمنعون اقتران جواب (فَلَمَّا) بالفاء كما في «مغني اللبيب».
والمقتصد : الفاعل للقصد وهو التوسط بين طرفين ، والمقام دليل على أن المراد الاقتصاد في الكفر لوقوع تذييله بقوله (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) ولقوله في نظيره في سورة العنكبوت [٦٥] (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) ، وقد يطلق المقتصد على الذي يتوسط حاله بين الصلاح وضده. كما قال تعالى : (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) [المائدة : ٦٦].
والجاحد الكفور : هو المفرط في الكفر والجحد. والجحود : الإنكار والنفي. وتقدم عند قوله تعالى : (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) في سورة الأنعام [٣٣]. وعلم أن هنالك قسما ثالثا وهو الموقن بالآيات الشاكر للنعمة وأولئك هم المؤمنون. قال في سورة فاطر [٣٢] (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) ، وهذا الاقتصار