كقول جرير :
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم |
|
من العبيد وثلث من مواليها |
أي : والثلث الآخر من أنفسهم.
والختّار : الشديد الختر ، والختر : أشدّ الغدر.
وجملة (وَما يَجْحَدُ) إلى آخرها تذييل لأنها تعم كل جاحد سواء من جحد آية سير الفلك وهول البحر ويجحد نعمة الله عليه بالنجاة ومن يجحد غير ذلك من آيات الله ونعمه. والمعنى : ومنهم جاحد بآياتنا. وفي الانتقال من الغيبة إلى التكلم في قوله (بِآياتِنا) التفات.
والباء في (بِآياتِنا) لتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول مثل قوله (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] ، وقول النابغة :
لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا
وقوله تعالى : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) [الإسراء : ٥٩].
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣))
إن لم يكن (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطابا خاصا بالمشركين فهو عام لجميع الناس كما تقرر في أصول الفقه ، فيعم المؤمن والمشرك والمعطل في ذلك الوقت وفي سائر الأزمان إذ الجميع مأمورون بتقوى الله وأن الخطوات الموصلة إلى التقوى متفاوتة على حسب تفاوت بعد السائرين عنها ، وقد كان فيما سبق من السورة حظوظ للمؤمنين وحظوظ للمشركين فلا يبعد أن تعقّب بما يصلح لكلا الفريقين ، وإن كان الخطاب خاصا بالمشركين جريا على ما روي عن ابن عباس أن (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب لأهل مكة ، فالمراد بالتقوى : الإقلاع عن الشرك.
وموقع هذه الآية بعد ما تقدمها من الآيات موقع مقصد الخطبة بعد مقدماتها إذ كانت المقدمات الماضية قد هيّأت النفوس إلى قبول الهداية والتأثر بالموعظة الحسنة ، وإن لاصطياد الحكماء فرصا يحرصون على عدم إضاعتها ، وأحسن مثلها قول الحريري في