نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))
كان من جملة غرورهم في نفي البعث أنهم يجعلون عدم إعلام الناس بتعيين وقته أمارة على أنه غير واقع. قال تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨] وقال : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ* يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) [الشورى : ١٧ ، ١٨] ، فلما جرى في الآيات قبلها ذكر يوم القيامة أعقبت بأن وقت الساعة لا يعلمه إلا الله.
فجملة (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) مستأنفة استئنافا بيانيا لوقوعها جوابا عن سؤال مقدّر في نفوس الناس. والجمل الأربع التي بعدها إدماج لجمع نظائرها تعليما للأمة. وقال الواحدي والبغوي : إن رجلا من محارب خصفة من أهل البادية سماه في «الكشاف» الحارث بن عمرو ووقع في «تفسير القرطبي» وفي «أسباب النزول» للواحدي تسميته الوارث بن عمرو بن حارثة جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : متى الساعة؟ وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب؟ وتركت امرأتي حبلى فما تلد؟ وما ذا أكسب غدا؟ وبأي أرض أموت؟ ، فنزلت هذه الآية ، ولا يدرى سند هذا. ونسب إلى عكرمة ومقاتل ، ولو صح لم يكن منافيا لاعتبار هذه الجملة استئنافا بيانيا فإنه مقتضى السياق.
وقد أفاد التأكيد بحرف (إِنَ) تحقيق علم الله تعالى بوقت الساعة ، وذلك يتضمن تأكيد وقوعها. وفي كلمة (عِنْدَهُ) إشارة إلى اختصاصه تعالى بذلك العلم لأن العندية شأنها الاستئثار. وتقديم عند وهو ظرف مسند على المسند إليه يفيد التخصيص بالقرينة الدالة على أنه ليس مراد به مجرد التقوي.
وجملة (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) عطف على جملة الخبر. والتقدير : وإن الله ينزل الغيث ، فيفيد التخصيص بتنزيل الغيث. والمقصود أيضا عنده علم وقت نزول الغيث وليس المقصود مجرد الإخبار بأنه ينزل الغيث لأن ذلك ليس مما ينكرونه ولكن نظمت الجملة بأسلوب الفعل المضارع ليحصل مع الدلالة على الاستئثار بالعلم به الامتنان بذلك المعلوم الذي هو نعمة.
وفي اختيار الفعل المضارع إفادة أنه يجدد إنزال الغيث المرة بعد المرة عند احتياج الأرض. ولا التفات إلى من قدروا : (يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) ، بتقدير (أن) المصدرية على طريقة قول طرفة :