بآيات الله ووعدهم ، ومقابلة إيمانهم بكفر المشركين ، ثم إثبات رسالة رسول عظيم قبل محمد صلىاللهعليهوسلم هدى به أمة عظيمة. والتذكير بما حل بالمكذبين السابقين ليكون ذلك عظة للحاضرين ، وتهديدهم بالنصر الحاصل للمؤمنين. وختم ذلك بانتظار النصر. وأمر الرسولصلىاللهعليهوسلم بالإعراض عنهم تحقيرا لهم ، ووعده بانتظار نصره عليهم.
ومن مزايا هذه السورة وفضائلها ما رواه الترمذي والنسائي وأحمد والدارمي عن جابر بن عبد الله قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم لا ينام حتى يقرأ (الم تَنْزِيلُ) [السجدة : ١ ـ ٢] و (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك : ١].
(الم (١))
تقدم ما في نظائره.
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢))
افتتحت السورة بالتنويه بشأن القرآن لأنه جامع الهدى الذي تضمنته هذه السورة وغيرها ولأن جماع ضلال الضالّين هو التكذيب بهذا الكتاب ، فالله جعل القرآن هدى للناس وخصّ العرب أن شرفهم بجعلهم أول من يتلقّى هذا الكتاب ، وبأن أنزله بلغتهم ، فكان منهم أشد المكذبين بما جاء به ، لا جرم أن تكذيب أولئك المكذبين أعرق في الضلالة وأوغل في أفن الرأي. وافتتاح الكلام بالجملة الاسمية لدلالتها على الدوام والثبات.
وجيء بالمسند إليه معرفا بالإضافة لإطالته ليحصل بتطويله ثم تعقيبه بالجملة المعترضة التشويق إلى معرفة الخبر وهو قوله (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ولو لا ذلك لقيل : قرآن منزل من رب العالمين أو نحو ذلك. وإنما عدل عن أسلوب قوله (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) في سورة البقرة [١ ، ٢] لأن تلك السورة نازلة بين ظهراني المسلمين ومن يرجى إسلامهم من أهل الكتاب وهم (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) [البقرة : ٤] ؛ وأما هذه السورة فقد جابه الله بها المشركين الذين لا يؤمنون بالإله الواحد ولا يوقنون بالآخرة فهم أصلب عودا ، وأشد كفرا وصدودا.
فقوله (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) مبتدأ ، وقوله (لا رَيْبَ فِيهِ) جملة هي صفة للكتاب أو حال أو هي معترضة. وقوله (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) خبر عن المبتدأ و (مِنْ) ابتدائية.