و (ثُمَ) للتراخي الرتبي لأن مرجع الأشياء إلى تصرفه بعد صدورها من لدنه أعظم وأعجب.
وقد أفاد التركيب أن تدبير الأمور من السماء إلى الأرض من وقت خلقهما وخلق ما بينهما يستقر على ما دبر عليه كلّ بحسب ما يقتضيه حال تدبيره من استقراره ، ويزول بعضه ويبقى بعضه ما دامت السماوات والأرض ، ثم يجمع ذلك كله فيصير إلى الله مصيرا مناسبا لحقائقه ؛ فالذوات تصير مصير الذوات والأعراض والأعمال تصير مصير أمثالها ، أي: يصير وصفها ووصف أصحابها إلى علم الله وتقدير الجزاء ، فذلك المصير هو المعبر عنه بالعروج إلى الله فيكون الحساب على جميع المخلوقات يومئذ.
واليوم من قوله (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) هو اليوم الذي جاء ذكره في آية سورة الحج [٤٧] بقوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ومعنى تقديره بألف سنة : أنه تحصل فيه من تصرفات الله في كائنات السماء والأرض ما لو كان من عمل الناس لكان حصول مثله في ألف سنة ، فلك أن تقدر ذلك بكثرة التصرفات ، أو بقطع المسافات ، وقد فرضت في ذلك عدة احتمالات. والمقصود : التنبيه على عظم القدرة وسعة ملكوت الله وتدبيره. ويظهر أن هذا اليوم هو يوم الساعة ، أي ساعة اضمحلال العالم الدنيوي ، وليس اليوم المذكور هنا هو يوم القيامة المذكور في سورة المعارج قاله ابن عباس. ولم يعيّن واحدا منهما ، وليس من غرض القرّاء تعيين أحد اليومين ولكن حصول العبرة بأهوالهما.
وقوله (فِي يَوْمٍ) يتنازعه كل من فعلي (يُدَبِّرُ) و (يَعْرُجُ) أي يحصل الأمران في يوم.
و (أَلْفَ) عند العرب منتهى أسماء العدد وما زاد على ذلك من المعدودات يعبر عنه بأعداد أخرى مع عدد الألف كما يقولون خمسة آلاف ، ومائة ألف ، وألف ألف.
و (أَلْفَ) يجوز أن يستعمل كناية عن الكثرة الشديدة كما يقال : زرتك ألف مرة ، وقوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) [البقرة : ٩٦] ، وهو هنا بتقدير كاف التشبيه أو كلمة نحو ، أي كان مقداره كألف سنة أو نحو ألف سنة كما في قوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٤٧]. ويجوز أن يكون (أَلْفَ) مستعملا في صريح معناه. وقوله : (مِمَّا تَعُدُّونَ) ، أي : مما تحسبون في أعدادكم ، وما مصدرية أو موصولية وهو وصف ل (أَلْفَ سَنَةٍ). وهذا الوصف لا يقتضي كون اسم (أَلْفَ) مستعملا