في صريح معناه لأنه يجوز أن يكون إيضاحا للتشبيه فهو قريب من ذكر وجه الشبه مع التشبيه ، وقد يترجح أن هذا الوصف لما كان في معنى الموصوف صار بمنزلة التأكيد اللفظي لمدلوله فكان رافعا لاحتمال المجاز في العدد.
(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦))
جيء بالإشارة إلى اسم الجلالة بعد ما أجري عليه من أوصاف التصرف بخلق الكائنات وتدبير أمورها للتنبيه على أن المشار إليه باسم الإشارة حقيق بما يرد بعد اسم الإشارة من أجل تلك الصفات المتقدمة كما تقدم في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) في سورة البقرة [٥] ، لا جرم أن المتصرف بذلك الخلق والتدبير عالم بجميع مخلوقاته ومحيط بجميع شئونها فهو عالم الغيب ، أي : ما غاب عن حواس الخلق ، وعالم الشهادة ، وهو ما يدخل تحت إدراك الحواس ، فالمراد بالغيب والشهادة : كل غائب وكل مشهود. والمقصود هو علم الغيب لأنهم لما أنكروا البعث وإحياء الموتى كانت شبهتهم في إحالته أن أجزاء الأجسام تفرقت وتخللت الأرض ، ولذلك عقب بقوله بعده (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠]. وأما عطف (وَالشَّهادَةِ) فهو تكميل واحتراس.
ومناسبة وصفه تعالى ب (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) عقب ما تقدم أنه خلق الخلق بمحض قدرته بدون معين ، فالعزة وهي الاستغناء عن الغير ظاهرة ، وأنه خلقهم على أحوال فيها لطف بهم فهو رحيم بهم فيما خلقهم إذ جعل أمور حياتهم ملائمة لهم فيها نعيم لهم وجنبهم الآلام فيها. فهذا سبب الجمع بين صفتي (الْعَزِيزُ) و (الرَّحِيمُ) هنا على خلاف الغالب من ذكر الحكيم مع العزيز.
و (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) يجوز كونهما خبرين آخرين عن اسم الإشارة أو وصفين ل (عالِمُ الْغَيْبِ).
[٧ ـ ٩] (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩))
خبر آخر عن اسم الإشارة أو وصف آخر ل (عالِمُ الْغَيْبِ) [السجدة : ٦] ، وهو ارتقاء في الاستدلال مشوب بامتنان على الناس أن أحسن خلقهم في جملة إحسان خلق كل شيء