قبض روحه. وفيه إبطال لجهلهم بأن الموت بيد الله تعالى وأنه كما خلقهم يميتهم وكما يميتهم يحييهم ، وأن الإماتة والإحياء بإذنه وتسخير ملائكته في الحالين. وذلك إبطال لقولهم (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) [الجاثية : ٢٤] فأعلمهم الله أنهم لا يخرجون عن قبضة تصرفه طرفة عين لا في حال الحياة ولا في حال الممات. وإذا كان موتهم بفعل ملك الموت الموكل من الله بقبض أرواحهم ظهر أنهم مردودة إليهم أرواحهم متى شاء الله.
والتوفّي : الإماتة. وتقدم في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) في سورة الأنعام [٦٠] ، وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) في سورة الأنفال [٥٠].
وملك الموت هو الملك الموكّل بقبض الأرواح وقد ورد ذكره في القرآن مفردا كما هنا وورد مجموعا في قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) في سورة الأنفال [٥٠] ، وقوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) في سورة الأنعام [٦١] ، وذلك أن الله جعل ملائكة كثيرين لقبض الأرواح وجعل مبلّغ أمر الله بذلك عزرائيل فإسناد التوفّي إليه كإسناده إلى الله في قوله (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) [الزمر : ٤٢] ، وجعل الملائكة الموكلين بقبض الأرواح أعوانا له وأولئك يسلمون الأرواح إلى عزرائيل فهو يقبضها ويودعها في مقارها التي أعدها الله لها ، ولم يرد اسم عزرائيل في القرآن. وقيل : إن ملك الموت في هذه الآية مراد به الجنس فتكون كقوله (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) [الأنعام : ٦١].
(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢))
أردف ذكر إنكارهم البعث بتصوير حال المنكرين أثر البعث وذلك عند حشرهم إلى الحساب ، وجيء في تصوير حالهم بطريقة حذف جواب (لَوْ) حذفا يرادفه أن تذهب نفس السامع كل مذهب من تصوير فظاعة حالهم وهول موقفهم بين يدي ربهم ، وبتوجيه الخطاب إلى غير معيّن لإفادة تناهي حالهم في الظهور حتى لا يختصّ به مخاطب. والمعنى : لو ترى أيها الرائي لرأيت أمرا عظيما.
و (الْمُجْرِمُونَ) هم الذين قالوا (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠] ، فهو إظهار في مقام الإضمار لقصد التسجيل عليهم بأنهم في قولهم ذلك مجرمون ، أي آتون بجرم وهو جرم تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم وتعطيل الدليل.