جزاءهم إذ قال : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) ، أي : لا تبلغ نفس من أهل الدنيا معرفة ما أعد الله لهم ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : قال الله تعالى : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» فدلّ على أن المراد ب (نَفْسٌ) في هذه الآية أصحاب النفوس البشرية. فإن مدركات العقول منتهية إلى ما تدركه الأبصار من المرئيات من الجمال والزينة ، وما تدركه الأسماع من محاسن الأقوال ومحامدها ومحاسن النغمات ، وإلى ما تبلغ إليه المتخيلات من هيئات يركّبها الخيال من مجموع ما يعهده من المرئيات والمسموعات مثل الأنهار من عسل أو خمر أو لبن ، ومثل القصور والقباب من اللؤلؤ ، ومثل الأشجار من زبرجد ، والأزهار من ياقوت ، وتراب من مسك وعنبر ، فكل ذلك قليل في جانب ما أعدّ لهم في الجنة من هذه الموصوفات ولا تبلغه صفات الواصفين لأن منتهى الصفة محصور فيما تنتهي إليه دلالات اللغات مما يخطر على قلوب البشر فلذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ولا خطر على قلب بشر» ، وهذا كقولهم في تعظيم شيء: هذا لا يعلمه إلا الله. قال الشاعر :
فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا |
|
عشية آناء الديار وشامها |
وعبر عن تلك النعم ب (ما أُخْفِيَ) لأنها مغيبة لا تدرك إلا في عالم الخلود.
وقرة الأعين : كناية عن المسرة كما تقدم في قوله تعالى : (وَقَرِّي عَيْناً) في سورة مريم [٢٦].
وقرأ الجمهور أخفي بفتح الياء بصيغة الماضي المبني للمجهول. وقرأ حمزة ويعقوب أخفي بصيغة المضارع المفتتح بهمزة المتكلم والياء ساكنة ، و (جَزاءً) منصوب على الحال من (ما أُخْفِيَ لَهُمْ) وقد فسر النبي صلىاللهعليهوسلم أنه جزاء على هذه الأعمال الصالحات في حديث أغرّ رواه الترمذي عن معاذ بن جبل قال : «قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال : لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسّره الله عليه : تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت» ثم قال : «ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) حتى بلغ (يَعْمَلُونَ ...)» الحديث.
[١٨ ـ ٢٠] (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا