تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) الآية [السجدة : ٢٠] ، فبقي ذلك الوعيد للذين ماتوا على الشرك ، وهي مسألة الموافاة عند الأشعري.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢))
عطف على جملة (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) [السجدة : ١٥] إلى آخرها حيث اقتضت أن الذين قالوا : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠] ليسوا كأولئك فانتقل إلى الإخبار عنهم بأنهم أشد الناس ظلما لأنهم يذكّرون بآيات الله حين يتلى عليهم القرآن فيعرضون عن تدبرها ويلغون فيها ، فآيات الله مراد بها القرآن.
وجيء في عطف جملة (أَعْرَضَ) بحرف (ثُمَ) لقصد الدلالة على تراخي رتبة الإعراض عن الآيات بعد التذكير بها تراخي استبعاد وتعجيب من حالهم كقول جعفر بن علبة الحارثي :
لا يكشف الغماء إلا ابن حرة |
|
يرى غمرات الموت ثم يزورها |
أي : عجيب إقدامه على مواقع الهلاك بعد مشاهدة غمرات الموت تغمر الذين أقدموا على تلك المواقع.
و (مَنْ) للاستفهام الإنكاري كقوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [البقرة : ١١٤] أي : لا أظلم منه ، أي لا أحد أظلم منه لأنه ظلم نفسه بحرمانها من التأمل فيما فيه نفعه ، وظلم الآيات بتعطيل نفعها في بعض من أريد انتفاعهم بها ، وظلم الرسول عليه الصلاة والسلام بتكذيبه والإعراض عنه ، وظلم حق ربه إذ لم يمتثل ما أراد منه.
وجملة (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن تفظيع ظلم الذي ذكّر بآيات ربّه فأعرض عنها لأن السامع يترقب جزاء ذلك الظالم. والمراد بالمجرمين هؤلاء الظالمون ، عدل عن ذكر ضميرهم لزيادة تسجيل فظاعة حالهم بأنهم مجرمون مع أنهم ظالمون ، وقد يقال : إن المجرمين أعم من الظالمين فيكون دخولهم في الانتقام من المجرمين أخرويّا وتصير جملة (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) تذييلا.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي