و (الْجُرُزِ) : اسم للأرض التي انقطع نبتها ، وهو مشتق من الجرز ، وهو : انقطاع النبت والحشيش ، إما بسبب يبس الأرض أو بالرّعي ، والجرز : القطع. وسمي السيف القاطع جرازا ، قال الراجز يصف أسنان ناقة :
تنحي على الشوك جرازا مقضبا |
|
والهرم تذريه إذ دراء عجبا |
ف (الْأَرْضِ الْجُرُزِ) : التي انقطع نبتها. ولا يقال للأرض التي لا تنبت كالسباخ جرز. والزرع : ما نبت بسبب بذر حبوبه في الأرض كالشعير والبر والفصفصة وأكل الأنعام غالبه من الكلأ لا من الزرع فذكر الزرع بلفظه ، ثم ذكر أكل الأنعام يدلّ على تقدير : وكلأ. ففي الكلام اكتفاء. والتقدير : ونخرج به زرعا وكلأ تأكل منه أنعامهم وأنفسهم. والمقصود : الاستدلال على البعث وتقريبه وإمكانه بإخراج النبت من الأرض بعد أن زال ؛ فوجه الأول. وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بقوله (تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ). ثم فرع عليه استفهام تقريري بجملة (أَفَلا يُبْصِرُونَ). وتقدم بيان مثله آنفا في قوله (أَفَلا يَسْمَعُونَ) [السجدة : ٢١]. ونيط الحكم بالإبصار هنا لأن دلالة إحياء الأرض بعد موتها دلالة مشاهدة.
[٢٨ ـ ٣٠] (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠))
يجوز أن يكون عطفا على جملة (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) [السجدة : ٢٢] ، أي : أعرضوا عن سماع الآيات والتدبر فيها وتجاوزوا ذلك إلى التكذيب والتهكم بها. ومناسبة ذكر ذلك هنا أنه وقع عقب الإشارة إلى دليل وقوع البعث وهو يوم الفصل. ويجوز أن يعطف على جملة (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠].
والمعنى : أنهم كذبوا بالبعث وما معه من الوعيد في الآخرة وكذّبوا بوعيد عذاب الدنيا الذي منه قوله تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) [السجدة : ٢١].
و (الْفَتْحُ) : النصر والقضاء. والمراد به : نصر أهل الإيمان بظهور فوزهم وخيبة أعدائهم فإن خيبة العدوّ نصر لضده وكان المسلمون يتحدّون المشركين بأن الله سيفتح بينهم وينصرهم وتظهر حجتهم ، فكان الكافرون يكررون التهكم بالمسلمين بالسؤال عن وقت هذا الفتح استفهاما مستعملا في التكذيب حيث لم يحصل المستفهم عنه. وحكاية قولهم بصيغة