بالفعل المضارع الصالح للاستقبال ، وجرد من علامة الاستقبال لأنه قريب من زمن الحال. والمقصود من الأمر باتباعه أنه أمر باتباع خاص تأكيد للأمر العام باتباع الوحي. وفيه إيذان بأن ما سيوحى إليه قريبا هو مما يشق عليه وعلى المسلمين من إبطال حكم التبنّي لأنهم ألفوه واستقر في عوائدهم وعاملوا المتبنين معاملة الأبناء الحق.
ولذلك ذيلت جملة (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) بجملة (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) تعليلا للأمر بالاتباع وتأنيسا به لأن الله خبير بما في عوائدكم ونفوسكم فإذا أبطل شيئا من ذلك فإن إبطاله من تعلق العلم بلزوم تغييره فلا تتريثوا في امتثال أمره في ذلك ، فجملة (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) في موقع العلة فلذلك فصلت لأن حرف التوكيد مغن غناء فاء التفريع كما مرّ آنفا.
وفي إفراد الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم بقوله (وَاتَّبِعْ) وجمعه بما يشمله وأمته في قوله (بِما تَعْمَلُونَ) إيماء إلى أن فيما سينزل من الوحي ما يشتمل على تكليف يشمل تغيير حالة كان النبي عليه الصلاة والسلام مشاركا لبعض الأمة في التلبس بها وهو حكم التبنّي إذ كان النبي متبنيا زيد بن حارثة من قبل بعثته.
وقرأ الجمهور (بِما تَعْمَلُونَ) بتاء الخطاب على خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم والأمة لأن هذا الأمر أعلق بالأمة. وقرأ أبو عمرو وحده بما يعملون بالمثناة التحتية على الغيبة على أنه راجع للناس كلهم شامل للمسلمين والكافرين والمنافقين ليفيد مع تعليل الأمر بالاتّباع تعريضا بالمشركين والمنافقين بمحاسبة الله إياهم على ما يبيتونه من الكيد ، وكناية عن اطلاع الله رسوله على ما يعلم منهم في هذا الشأن كما سيجيء (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) [الأحزاب : ٦٠] ، أي : لنطلعنك على ما يكيدون به ونؤذنك بافتضاح شأنهم. وهذا المعنى الحاصل من هذه القراءة لا يفوت في قراءة الجمهور بالخطاب لأن كل فريق من المخاطبين يأخذ حظه منه.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٣))
زيادة تمهيد وتوطئة لتلقي تكليف يترقب منه أذى من المنافقين مثل قولهم : إن محمدا نهى عن تزوج نساء الأبناء وتزوج امرأة ابنه زيد بن حارثة ، وهو ما يشير إليه قوله تعالى : (وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [الأحزاب : ٤٨] ؛ فأمره بتقوى ربه دون غيره ، وأتبعه بالأمر باتباع وحيه ، وعززه بالأمر بما فيه تأييده وهو أن يفوّض أموره إلى الله.