فالإشارة بقوله (ذلِكَ) إلى المذكور من الأحكام المشروعة فكان هذا التذييل أعمّ مما اقتضاه قوله (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). وبهذا الاعتبار لم يكن تكريرا له ولكنه يتضمنه ويتضمن غيره فيفيد تقريره وتوكيده تبعا وهذا شأن التذييلات.
والتعريف في (الْكِتابِ) للعهد ، أي : كتاب الله ، أي : ما كتبه على الناس وفرضه كقوله (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] ، فاستعير الكتاب للتشريع بجامع ثبوته وضبطه التغيير والتناسي ، كما قال الحارث بن حلزة :
حذر الجور والتطاخي وهل ين |
|
قض ما في المهارق الأهواء |
ومعنى هذا مثل قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) في سورة الأنفال [٧٥]. فالكتاب : استعارة مكنية وحرف الظرفية ترسيخ للاستعارة.
والمسطور : المكتوب في سطور ، وهو ترشيح أيضا للاستعارة وفيه تخييل للمكنية.
وفعل (كانَ) في قوله (كانَ ذلِكَ) لتقوية ثبوته في الكتاب مسطورا ، لأن (كانَ) إذا لم يقصد بها أن اسمها اتصف بخبرها في الزمن الماضي كانت للتأكيد غالبا مثل (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب : ٤] أي : لم يزل كذلك.
[٧ ـ ٨] (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨))
عطف على قوله يا أيها النبي (اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) إلى قوله : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [الأحزاب : ١ ـ ٣] فلذلك تضمن الأمر بإقامة الدين على ما أراده الله تعالى وأوحى به إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وعلى نبذ سنن الكافرين الصرحاء والمنافقين من أحكام الهوى والأوهام.
فلما ذكر ذلك وعقب بمثل ثلاثة من أحكام جاهليتهم الضالة بما طال من الكلام إلى هنا ثني عنان الكلام إلى الإعلام بأن الذي أمره الله به هو من عهود أخذها الله على النبيئين والمرسلين من أول عهود الشرائع. وتربط هذا الكلام بالكلام الذي عطف هو عليه مناسبة قوله : (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) [الأحزاب : ٦]. وبهذا الارتباط بين الكلامين لم يحتج إلى بيان الميثاق الذي أخذه الله تعالى على النبيئين ، فعلم أن المعنى : وإذا أخذنا