من النبيئين ميثاقهم بتقوى الله وبنبذ طاعة الكافرين والمنافقين وباتباع ما أوحى الله به. وقوله (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) [الأحزاب : ١] (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) فلما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالاقتصار على تقوى الله وبالإعراض عن دعوى الكافرين والمنافقين ، أعلم بأن ذلك شأن النبيئين من قبله ، ولذلك عطف قوله (وَمِنْكَ) عقب ذكر النبيئين تنبيها على أن شأن الرسل واحد وأن سنة الله فيهم متحدة ، فهذه الآية لها معنى التذييل لآية يا أيها النبي (اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) [الأحزاب : ١] الآيات الثلاث ولكنها جاءت معطوفة بالواو لبعد ما بينها وما بين الآيات الثلاث المتقدمة.
وقوله (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) الآيتين لهما موقع المقدمة لقصة الأحزاب لأن مما أخذ الله عليه ميثاق النبيئين أن ينصروا الدين الذي يرسله الله به ، وأن ينصروا دين الإسلام ، قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ) النبيئين لما آتيناكم (مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [آل عمران : ٨١] فمحمدصلىاللهعليهوسلم مأمور بالنصرة لدينه بمن معه من المسلمين لقوله في هذه الآية : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً). وقال في الآية الآتية في الثناء على المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) الآية [الأحزاب : ٢٤].
وقد جاء قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا) من النبيئين ميثاقهم جاريا على أسلوب ابتداء كثير من قصص القرآن في افتتاحها ب (إِذْ) على إضمار (اذكر). و (إِذْ) اسم للزمان مجرد عن معنى الظرفية. فالتقدير : واذكر وقتا ، وبإضافة (إِذْ) إلى الجملة بعده يكون المعنى : اذكر وقت أخذنا ميثاقا على النبيئين. وهذا الميثاق مجمل هنا بينته آيات كثيرة. وجماعها أن يقولوا الحق ويبلّغوا ما أمروا به دون ملاينة للكافرين والمنافقين ، ولا خشية منهم ، ولا مجاراة للأهواء ، ولا مشاطرة مع أهل الضلال في الإبقاء على بعض ضلالهم. وأن الله واثقهم ووعدهم على ذلك بالنصر. ولما احتوت عليه هذه السورة من الأغراض مزيد التأثر بهذا الميثاق بالنسبة للنبي صلىاللهعليهوسلم وشديد المشابهة بما أخذ من المواثيق على الرسل من قبله. ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى هنا : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب : ٤] وقوله في ميثاق أهل الكتاب (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) في سورة الأعراف [١٦٩].
وفي تعقيب أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بالتقوى ومخالفة الكافرين والمنافقين والتثبيت على اتّباع ما يوحى إليه ، وأمره بالتوكل على الله ، وجعلها قبل قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ