واللام في قوله (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) لام كي ، أي : أخذنا منهم ميثاقا غليظا لنعظّم جزاء للذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ولنشدّد العذاب جزاء للذين يكفرون بما جاءتهم به رسل الله ، فيكون من دواعي ذكر هذا الميثاق هنا أنه توطئة لذكر جزاء الصادقين وعذاب الكافرين زيادة على ما ذكرنا من دواعي ذلك آنفا. وهذه علة من علل أخذ الميثاق من النبيئين وهي آخر العلل حصولا فأشعر ذكرها بأن لهذا الميثاق عللا تحصل قبل أن يسأل الصادقون عن صدقهم ، وهي ما في الأعمال المأخوذ ميثاقهم عليها من جلب المصالح ودرء المفاسد ، وذلك هو ما يسأل العاملون عن عمله من خير وشر.
وضمير (لِيَسْئَلَ) عائد إلى الله تعالى على طريقة الالتفات من التكلم إلى الغيبة.
والمراد بالصادقين أمم الأنبياء الذين بلغهم ما أخذ على أنبيائهم من الميثاق ، ويقابلهم الكافرون الذين كذبوا أنبياءهم أو الذين صدقوهم ثم نقضوا الميثاق من بعد ، فيشملهم اسم الكافرين.
والسؤال : كناية عن المؤاخذة لأنها من ثواب جواب السؤال أعني إسداء الثواب للصادقين وعذاب الكافرين ، وهذا نظير قوله تعالى (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣] ، أي : لا يتعقب أحد فعله ولا يؤاخذه على ما لا يلائمه ، وقول كعب بن زهير :
وقيل : إنك منسوب ومسئول
وجملة (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ) عطف على جملة (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ) وغيّر فيها الأسلوب للدلالة على تحقيق عذاب الكافرين حتى لا يتوهم أنهم يسألون سؤال من يسمع جوابهم أو معذرتهم ، ولإفادة أن إعداد عذابهم أمر مضى وتقرر في علم الله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩))
ابتداء لغرض عظيم من أغراض نزول هذه السورة والذي حفّ بآيات وعبر من ابتدائه ومن عواقبه تعليما للمؤمنين وتذكيرا ليزيدهم يقينا وتبصيرا. فافتتح الكلام بتوجيه الخطاب إليهم لأنهم أهله وأحقّاء به ، ولأن فيه تخليد كرامتهم ويقينهم وعناية الله بهم ولطفه لهم وتحقيرا لعدوّهم ومن يكيد لهم ، وأمروا أن يذكروا هذه النعمة ولا ينسوها لأن في ذكرها تجديدا للاعتزاز بدينهم والثقة بربهم والتصديق لنبيهم صلىاللهعليهوسلم.
واختيرت للتذكير بهذا اليوم مناسبة الأمر بعدم طاعة الكافرين والمنافقين لأن من