الأحزاب وكانوا وسيلة إلقاء الرعب في نفوسهم.
وجملة (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) في موقع الحال من اسم الجلالة في قوله (نِعْمَةَ اللهِ) وهي إيماء إلى أن الله نصرهم على أعدائهم لأنه عليم بما لقيه المسلمون من المشقة والمصابرة في حفر الخندق والخروج من ديارهم إلى معسكرهم خارج المدينة وبذلهم النفوس في نصر دين الله فجازاهم الله بالنصر المبين كما قال (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج : ٤٠].
وقرأ الجمهور (بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) بتاء الخطاب. وقرأه أبو عمرو وحده بياء الغيبة ومحملها على الالتفات.
والجنود الأوّل جمع جند ، وهو الجمع المتّحد المتناصر ولذلك غلب على الجمع المجتمع لأجل القتال فشاع الجند بمعنى الجيش. وذكر جنود هنا بلفظ الجمع مع أن مفرده مؤذن بالجماعة مثل قوله تعالى (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) [ص : ١١] فجمعه هنا لأنهم كانوا متجمعين من عدة قبائل لكل قبيلة جيش خرجوا متساندين لغزو المسلمين في المدينة ، ونظيره قوله تعالى : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) في سورة البقرة [٢٤٩].
والجنود الثاني جمع جند بمعنى الجماعة من صنف واحد. والمراد بهم ملائكة أرسلوا لنصر المؤمنين وإلقاء الرعب والخوف في قلوب المشركين.
[١٠ ـ ١١] (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١))
(إِذْ جاؤُكُمْ) بدل من (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) [الأحزاب : ٩] بدل مفصّل من مجمل. والمراد ب (فوق) و (أَسْفَلَ) فوق جهة المدينة وأسفلها.
و (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) عطف على البدل وهو من جملة التفصيل ، والتعريف في (الْأَبْصارُ) و (الْقُلُوبُ) و (الْحَناجِرَ) للعهد ، أي : أبصار المسلمين وقلوبهم وحناجرهم ، أو تجعل اللام فيها عوضا عن المضافات إليها ، أي : زاغت أبصاركم وبلغت قلوبكم حناجركم.
والزيغ : الميل عن الاستواء إلى الانحراف. فزيغ البصر أن لا يرى ما يتوجه إليه ، أو أن يريد التوجه إلى صوب فيقع إلى صوب آخر من شدة الرعب والانذعار.
و (الْحَناجِرَ) : جمع حنجرة ـ بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الجيم ـ : منتهى الحلقوم وهي رأس الغلصمة. وبلوغ القلوب الحناجر تمثيل لشدة اضطراب القلوب من