وانتصب (الظُّنُونَا) على المفعول المطلق المبين للعدد ، وهو جمع ظن. وتعريفه باللام تعريف الجنس ، وجمعه للدلالة على أنواع من الظن كما في قول النابغة :
أتيتك عاريا خلقا ثيابي |
|
على خوف تظن بي الظنون |
وكتب (الظُّنُونَا) في الإمام بألف بعد النون ، زيدت هذه الألف في النطق للرعاية على الفواصل في الوقوف ، لأن الفواصل مثل الأسجاع تعتبر موقوفا عليها لأن المتكلم أرادها كذلك. فهذه السورة بنيت على فاصلة الألف مثل القصائد المقصورة ، كما زيدت الألف في قوله تعالى (وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) [الأحزاب : ٦٦] وقوله : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب : ٦٧].
وعن أبي علي في «الحجة» : من أثبت الألف في الوصل لأنها في المصحف كذلك وهو رأس آية ورءوس الآيات تشبه بالقوافي من حيث كانت مقاطع ، فأما في طرح الألف في الوصل فإنه ذهب إلى أن ذلك في القوافي وليس رءوس الآي بقواف.
فأما القراء فقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر بإثبات الألف في الوصل والوقف. وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم والكسائي بحذف الألف في الوصل وإثباتها في الوقف. وقرأ أبو عمرو وحمزة ويعقوب بحذف الألف في الوصل والوقف ، وقرأ خلف بإثبات الألف بعد النون في الوقف وحذفها في الوصل. وهذا اختلاف من قبيل الاختلاف في وجوه الأداء لا في لفظ القرآن. وهي كلها فصيحة مستعملة والأحسن الوقف عليها لأن الفواصل كالأسجاع والأسجاع كالقوافي.
والإشارة ب (هُنالِكَ) إلى المكان الذي تضمنه قوله (جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) [الأحزاب : ٩] وقوله (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ). والأظهر أن تكون الإشارة إلى الزمان الذي دلت عليه (إِذْ) في قوله : (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ). وكثيرا ما ينزّل أحد الظرفين منزلة الآخر ولهذا قال ابن عطية : (هُنالِكَ) : ظرف زمان والعامل فيه (ابْتُلِيَ) ا ه. قلت : ومنه دخول (لات) على (هنّا) في قول حجل بن نضلة :
خنت نوار ولات هنّا حنت |
|
وبدا الذي كانت نوار أجنت |
فإن (لات) خاصة بنفي أسماء الزمان فكان (هنّا) إشارة إلى زمان منكر وهو لغة في (هنا). ويقولون : يوم هنا ، أي يوم أول ، فيشيرون إلى زمن قريب ، وأصل ذلك مجاز توسع فيه وشاع.
والابتلاء : أصله الاختبار ، ويطلق كناية عن إصابة الشدة لأن اختبار حال الثبات والصبر لازم لها ، وسمى الله ما أصاب المؤمنين ابتلاء إشارة إلى أنه لم يزعزع إيمانهم.
والزلزال : اضطراب الأرض ، وهو مضاعف زلّ تضعيفا يفيد المبالغة ، وهو هنا