استعارة لاختلال الحال اختلالا شديدا بحيث تخيّل مضطربة اضطرابا شديدا كاضطراب الأرض وهو أشدّ اضطرابا للحاقه أعظم جسم في هذا العالم. ويقال : زلزل فلان ، مبنيا للمجهول تبعا لقولهم : زلزلت الأرض ، إذ لا يعرف فاعل هذا الفعل عرفا. وهذا هو غالب استعماله قال تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) الآية [البقرة : ٢١٤].
والمراد بزلزلة المؤمنين شدة الانزعاج والذعر لأن أحزاب العدو تفوقهم عددا وعدة.
[١٢ ـ ١٣] (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣))
عطف على (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) [الأحزاب : ١٠] فإن ذلك كله مما ألحق بالمسلمين ابتلاء فبعضه من حال الحرب وبعضه من أذى المنافقين ، ليحذروا المنافقين فيما يحدث من بعد ، ولئلا يخشوا كيدهم فإن الله يصرفه كما صرف أشدّه يوم الأحزاب.
وقول المنافقين هذا يحتمل أن يكونوا قالوه علنا بين المسلمين قصدوا به إدخال الشك في قلوب المؤمنين لعلهم يردونهم عن دينهم فأوهموا بقولهم (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) إلخ ... أنهم ممن يؤمن بالله ورسوله ، فنسبة الغرور إلى الله ورسوله إما على معنى التشبيه البليغ وإما لأنهم بجهلهم يجوزون على الله أن يغرّ عباده ، ويحتمل أنهم قالوا ذلك بين أهل ملتهم فيكون نسبة الوعد إلى الله ورسوله تهكما كقول فرعون (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٢٧].
والغرور : ظهور الشيء المكروه في صورة المحبوب ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) في سورة آل عمران [١٩٦] ، وقوله تعالى : (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) في سورة الأنعام [١١٢]. والمعنى : أن الله وعدهم النصر فكان الأمر هزيمة وهم يعنون الوعد العام وإلّا فإن وقعة الخندق جاءت بغتة ولم يرو أنهم وعدوا فيها بنصر. و (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) هم الذين كانوا مترددين بين الإيمان والكفر فأخلصوا يومئذ النفاق وصمّموا عليه.
والمراد بالطائفة الذين قالوا : (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) عبد الله بن أبيّ ابن سلول وأصحابه. كذا قال السدي. وقال الأكثر : هو أوس بن قيظي أحد بني حارثة ،